الأخبار

ما كان وما يجب أن يكون «6»

 

 

بوجه مطمئن ونبرة ثقة معتادة، تحدّث الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس، من داخل مشهد يدعو للأمل والفخر، عندما حضر نموذج محاكاة الحكومة، فى إطار التدريب العملى على فعاليات البرنامج الرئاسى، لتأهيل الشباب للقيادة.

انتبه الرأى العام لحديث الرئيس عن الدولار، وهو جدير بالانتباه، لكن استوقفنى محور حديث الرئيس عن جسر الثقة بين الشارع والمسؤول.. وللمصادفة هى نفس النقطة التى كنا قد نوّهنا بالأمس بالحديث عنها فى مقال اليوم، ضمن سلسلة مقالات المشروع المصرى، الذى أشار الرئيس أيضا إلى هدفه الاستراتيجى المتمثل فى تثبيت الدولة المصرية فى مواجهة التحديات القاسية التى تمر بها المنطقة والعالم.

لخّص الرئيس السيسى المسألة بشكل مبسّط، عكس إلمامه بالصورة الراهنة فى العلاقة بين المسؤول والشارع والجسر المفقود بينهما.. بشكل مباشر قال رأس الدولة المصرية أن الأمر لم يعد إيجاد حل، ولكن أيضا مدى تقبل الناس للحل.. ركّز على فكرة إعطاء الثقة للمسؤول، وقال إن المسؤول ابن مصر، واستحالة أن يعمل ضد مصلحة أهله، وإن التحدى واضح أمامه، لكن هناك فجوة فى وضع التحدى أمام الرأى العام.

وواقعيًا، إذا أردنا الحديث عن هذه الفجوة، علينا تحديد عناصر المعادلة، وهى المسؤول والمواطن والوسيط أو الجسر، وهو الإعلام.. وواقعيا أيضا العناصر الثلاثة أسهمت فى خلق هذه الفجوة.

بالنسبة للمسؤول، وهنا لا أتبنّى صيغة التعميم، لأن حكومة المهندس شريف إسماعيل، تضمّ العديد من النماذج الناجحة، ولكن أيضا من بين أعضائها مَن عزّز إحساس عدم الثقة لدى الشارع.. من بينها التخبط الذى حدث فى الثانوية العامة هذا العام، والإحباط الذى أصاب مئات الآلاف من الأسر.. من بينها تصريحات تفتقد للرُشد السياسى المطلوب، تعبّر عن رجل دولة فى موقع وزير أو محافظ، فتغذّى أيضا احساس عدم الثقة.. من بينها ظهور السلطة التنفيذية فى مشهد مرتبك، من خلال سجال بين وزير ومحافظ فجرًا عبر إحدى الفضائيات، رغم اعتبار البعض أنه يعكس شفافية مطلقة!

أما الشارع، فيعانى من ظروف اقتصادية صعبة، ضاغطة على الأحوال المعيشية، خصوصا الطبقة الوسطى، ولهذا الشارع ثقافة متوارثة منذ القدم، هى عدم تصديق المسؤول أو الحكومة إلى أن يثبت العكس، دائما ما يفرح بالإطاحة بالحكومة حتى إن أعاد النظر فى تقييمها لاحقا..

حدث هذا مع العديد من الحكومات، قد تكون أبرزها حكومة الدكتور عاطف صدقى التى كانت محلّ سخرية وتشكيك يومية، وفق وسائل عصرها، وبعد رحيل الحكومة بسنوات، بدأت الناس تشيد بما فعله عاطف صدقى وحكومته.. حتى حكومة أحمد نظيف التى قامت عليها ثورة، بدأ قطاع -ليس قليلا- فى إعادة النظر فيها وفى أشخاصها، ويطالبون بالاستعانة بعناصرها.

هذه الثقافة راسخة، لكنها ليست نصا مقدسا، بمعنى أنها قابلة للتغيير، وتغييرها يستدعى شعور المواطن بالإنجاز، وانتباه المسؤول وهو يتحدث للرأى العام، فضلا عن دور الوسيط هنا، أو الجسر، متمثلا فى الإعلام.

حقيقة الأمر أن الإعلام يتحمل مسؤولية ليست بالهينة، فى خلق هذه الفجوة على مدار السنوات الخمس الماضية، بسبب تداخل العمل الإعلامى المهنى بالدور السياسى الذى كان يلعبه الإعلام، فى ظل غياب جهة التشريع والرقابة، ممثلة فى البرلمان وبعض الإعلاميين، الذين تحوّلوا إلى جماعات ضغط حتى إن كان الهدف هو الصالح العام من وجهة نظرهم، فإن المحصّلة دوامات من التشكيك والإهانة التى يتعرّض لها كل من يتولّى منصبا عاما فى مصر، ما جعل تولى مسؤولية وزارة أو محافظة الآن، عملا انتحاريا، وفرض اللجوء لأقل كفاءة أحيانا، لأن الأفضل اعتذر عن تولى المنصب.

أضف إلى هذا أن مهمة الصحافة أو الإعلام فى الأساس، كشف الحقائق، وفى هذا السبيل، تفتح أبواب الاشتباك مع الإدارة أو السلطة، وجرى أيضا العرف فى مصر أن الحكومة هى منصة الاشتباك الأسهل، ولكن هذا الأصل اخترقته العديد من الاستثناءات، بفعل الصراع الإعلامى على السيسى، وعلى مشروع 30 يونيو بشكل عام.

وعن هذا الصراع نتحدث فى مقال الغد.

 

مبتدا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى