الديمقراطية الأمريكية الزائفة

73

حسن عماد مكاوي

عندما قامت الثورة الروسية عام 1917، وتم تأسيس الاتحاد السوفيتى، حدثت موجات من الصدام فى كل أنحاء العالم، ونتيجة الخوف من انتشار المد الشيوعى، أصدر الكونجرس الأمريكى «قانون التجسس» عام 1917، واستهدف هذا القانون توجيه تهمة التجسس لعدد كبير من المواطنين الأمريكيين من أصول ألمانية، وكذلك الشيوعيين الأمريكيين الذين كانوا يطالبون بإنهاء ما سموه «اضطهاد الرأسمالية». وفى عام 1918 وافق الكونجرس على إعادة إصدار قانون «التحريض» الذى أقر أن نشر أى تقارير تحبط الحكومة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الأولى يعد عملاً عدائياً يستوجب المحاكمة والعقاب، وكذلك منع نشر أية معلومات عن الشئون العسكرية الأمريكية. وبموجب هذا القانون، تم مقاضاة نحو ألفى مواطن أمريكى بتهمة التحريض على إثارة الفتن نتيجة نشر آرائهم المعارضة للحكومة الأمريكية. وخلال ظروف الكساد الاقتصادى والإحباط الاجتماعى الذى شهدته فترة الثلاثينات من القرن الماضى، تم استخدام قانون التحريض الأمريكى للتنكيل ببعض المواطنين والإعلاميين. وبحلول عام 1940، ونتيجة الخوف من المد الشيوعى، أقر الكونجرس الأمريكى قانون «سميث» Smith Act الذى اعتبر أن من يدعو إلى تدمير الحكومة بالعنف، أو هزيمتها أثناء الحرب العالمية الثانية، يُعد محرضاً ويعاقب بالسجن والغرامة، وبمقتضى هذا القانون تم إيداع جميع قادة الحزب الشيوعى الأمريكى فى السجون حتى أواخر الخمسينات من القرن الماضى.

لقد مارست الحكومات الأمريكية المتعاقبة -عبر التاريخ- محاولات عديدة للتأثير على الصحفيين، أو رشوتهم لدعم السياسة الخارجية الأمريكية، ومن أبرز تلك المحاولات ما تمارسه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA من منح بعض الناشرين الموالين ميزانيات كبيرة للدعاية والإعلان لترويج السياسات الخارجية الأمريكية، والهجوم على بعض الرموز أو الشخصيات المؤثرة حول العالم لما يخدم المصالح الأمريكية.

ويتجلى زيف الديمقراطية الأمريكية بوضوح من خلال ممارسة العمليات الانتخابية، حيث يتقن صناعة الانتخابات فى الولايات المتحدة نفر من رجال السياسة والإعلام، وهم يعملون لاحقاً كمستشارين لرؤساء الجمهورية الذين يفوزون فى الانتخابات، أو كمساعدين لنواب الكونجرس ومجلس الشيوخ. إن المسألة الحاكمة فى الانتخابات الأمريكية هى النفوذ المالى، وقوة جماعات المصالح، وكثيراً ما يجد المرشحون والأحزاب أنفسهم تحت أقدام أصحاب الأموال، وبمعنى آخر يصبح المستثمرون الأغنياء الناخبين الكبار والمؤثرين، وتبلغ كلفة الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية نحو 800 مليون دولار. وفى إشارة إلى النفوذ المالى على عملية الانتخابات يقول أحد المرشحين الأمريكيين فى الانتخابات: «سواء كنت أغنى رجل فى العالم أو أفقر رجل ولا وظيفة لك، فإن صوتك الانتخابى هو الأهم». معنى ذلك أن الأموال هى التى تشترى الأصوات، وتصنع القرارات، ومعناه أيضاً أن السلطة الأمريكية انتقلت من المواطن العادى إلى المستثمر الذى يشترى كل شىء، والنتيجة الطبيعية لذلك أن الكونجرس والرئيس الأمريكى يوقعان فقط القرارات التى ترضى أصحاب النفوذ الذين قدّموا الأموال وقت الانتخابات. معنى ذلك أن العديد من الشروط اللازمة للديمقراطية الحقيقية غير مستوفاة فى المجتمع الأمريكى. فالاجتماعات الحزبية فى تناقص مستمر، وقراء الصحف يقلون، وهناك نسبة 5% فقط من الأمريكيين هم الذين يتابعون الملفات الدبلوماسية، ويحرصون على معرفة السياسات الخارجية، وبالتالى فإن الأمر يبدو مثيراً للسخرية، إذا ما أسرف قادة الولايات المتحدة فى الحديث عن الديمقراطية. وللحديث بقية.

الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى