الأخبار

شاطر ومشطور

201

 

 

من ذا الذى جنى على «براقش»؟ يقولون إنها هى التى جنت على نفسها، وعلى هذا جرى المثل العربى الشهير، ولكننى لا أصدق هذا فهناك من جنى عليها فجنت على نفسها، هل أبوها هو ذاك؟ فالشاعر أبوالعلاء المعرى يقول: هذا ماجناه أبى علىَّ وما جنيت على أحد. ولكن هذا الشعر أيضاً غير دقيق، أى نعم جنى عليها أبوها ولكنها أيضاً جنت علينا وقتلتنا وسرقتنا وزرعت الفتنة فى بلادنا، ثم كان خاتمة جرائمها تلك الإساءات المتعددة التى وجهتها للإسلام، بحيث لو حاول أعدى أعداء الإسلام أن يكيد له ما استطاع أن يحقق النتائج التى حققتها. أظنك الآن عرفت أننى أتحدث عن جماعة الإخوان، تلك الجماعة التى لم يكن لها أب واحد ولكن عدة آباء، كان الأب الأول هو حسن البنا الذى وضع لها خطة العمل الإرهابية وأطلقها فى مجتمعنا كما يطلق أولاد الليل فى الريف المصرى قطاً مشتعلاً ليحرق الزرع والنسل، وكان الأب الثانى هو سيد قطب الذى صاغ نظرية التكفير، وكان الأب الثالث هو مصطفى مشهور الإرهابى العتيد، وكان الأب الرابع هو من سأتحدث عنه فى هذا المقال، فبه ومعه كانت خاتمة الجماعة وكان مصرعها، ورب أب قتل ابنه من حيث ظن أنه يعطيه قبلة الحياة فخنقه!

كانوا يطلقون عليه داخل الجماعة «البنك المركزى الإخوانى»، ومن يملك المال يملك القرار، وأموال الإخوان كانت تحت يديه، ينفق منها ما يشاء ويفرق منها ما يشاء، وبها أصبح ولى النعم وصاحب الأفضال على الجميع، فهو الذى اشترى من أموال الجماعة شقة كبيرة لسيده وإمامه مصطفى مشهور، وهو الذى أقام من مال الجماعة لمهدى عاكف فيلا فى التجمع الخامس، واشترى له سيارة وخصص أحد الإخوة ليكون سائقاً له بالأجر، لذلك كانت القيادة الحقيقية فى الجماعة له، ومن غير خيرت الشاطر يكون لها؟! نعم، قد يشاركه محمود عزت مشاركة فاعلة فى توجيه الشباب الغِرِّ فكرياً، ولكن الغلبة كانت للداهية «الشاطر»، والشاطر لغة هو اللص قاطع الطريق، لذلك كان «الشاطر» فى قيادته للجماعة وكأنه يدير تشكيلاً عصابياً إجرامياً، ولذلك أيضاً كان أسلوب الجماعة فى الأشهر الأخيرة هو أسلوب الشطار قطاع الطرق، ألم يقطعوا الطريق فى منطقة «رابعة» وفى منطقة «نهضة مصر»؟! وألم يظل قطع الطرق أسلوبهم فى كل مظاهراتهم الإرهابية؟!

هذا هو الشاطر الذى وصل خبرنا له من الأدب الشعبى المصرى وهذه هى طريقته، وشاطرنا الحالى أو بالأحرى شاطرهم تحكم فى عصابته من خلال شخصيته القيادية وتجهمه المفرط، فضلاً عن أموال الجماعة التى تجرى بين يديه كالأنهار. وبعد أن مات مأمون الهضيبى أو قل قبلها دخل «الشاطر» بعصابته إلى عهد جديد كان فيه نسيبه محمود غزلان ساعده الأيسر ورفيقه محمود عزت هو ساعده الأيمن، وبينهما برزخ يفصل بينهما حتى لا يبغيان هو المرشد محمد بديع الذى وضعوه فى هذا الموقع ليكون عصاهم التى يهشون بها على أغنامهم ولهم فيه مآرب أخرى.

كان خيرت الشاطر فى يوم من الأيام شيوعياً تروتسكياً، ظل على شيوعيته سنوات طوالاً إلى أن استطاع مصطفى مشهور تجنيده ونقله إلى ممتلكات الجماعة، لا تتعجب من التعبير! فكل أخ من الإخوان هو من ممتلكات الجماعة لها الحق أن تفعل فيه ما تريد، فلها أن توجهه للعمل فى أنشطة النقابات، أو البرلمان، أو الطلبة، أو تضعه على الرف تحت الطلب، فالأخ بين يدى مسئوله كالميت بين يدى من يغسله يقلبه كيف يشاء، تلك القاعدة العجيبة التى حوَّلت الجماعة من خلالها أفرادها إلى مجموعة من العبيد لا حول لهم ولا قوة، لا يملك أحدهم زمام المبادرة أو الحركة المستقلة، هو ميت لا حياة فيه، فهل رأيتم من قبل ميتاً دبت فيه الروح؟! وحده مصطفى مشهور الذى كان يحرك تلك الأجساد الميتة، ثم أصبحت من بعده مهنة محمود عزت وخيرت الشاطر، هما أعلى الكهنة فى الجماعة، يمتلكان آلة التوجيه، فإذا ضغط أحدهما على الزر تحركت مجموعة من الريبوتات الإخوانية وفقاً للتوجيه الذى يريده القائد الأعلى، ولكن كيف استطاع «مشهور» نقل «الشاطر» إلى مقتنيات الجماعة وإبعاده عن حلم إقامة دولة المرحلة الشيوعية العليا إلى حلم إقامة دولة الخلافة الإسلامية؟ لا أظن الفارق كبيراً، فكل مشروع منهما كان يسعى للسيطرة على العالم كله، هذا من خلال شعار «يا عمال العالم اتحدوا» وذاك من خلال شعار «يا مسلمى العالم اتحدوا»، المهم فى كلا الحلمين أن يكون «الشاطر» هو الرئيس الأعلى، سواء كان رئيساً للحزب الشيوعى الذى سيحكم العالم أو خليفة للمسلمين الذين سيحصلون على أستاذية العالم، الحلم واحد والحالم واحد، ولكن الأفضل له أن يكون سيداً على مجموعة من العبيد على أن يكون منافساً لمجموعة من المفكرين، فأعضاء الإخوان عبيد ولكن التروتسكية موطن للفلاسفة والمفكرين.

أغلب الظن أن «الشاطر» درس جماعة الإخوان بأفكارها وتاريخها ومناهجها العقائدية والفكرية كما يدرس المشاريع التجارية وهو يعد لها دراسة الجدوى، فكان أن نظر إلى الطاعة المطلقة التى يعطيها الشباب الميت لقادتهم، ولا إخالنى متنبئاً إذا قلت إنه جرى أمام خاطره مشهد الفنان حسن البارودى وهو يقول بعباراته الممطوطة الممدودة للفلاح المغلوب على أمره شكرى سرحان فى فيلم الزوجة الثانية: «هييه يا أبوالعلا يا ابنى.. أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، طلق عائشة زوجتك يا ابنى واسمع كلام العمدة»، إلا أن «أبوالعلا» قاوم جبروت العمدة ما وسعته المقاومة حتى اضطر للرضوخ وقلبه يقطر دماً، ولكن الفرد فى تلك الجماعة التى رآها «الشاطر» يقف مطأطأ الرأس مغلوباً على أمره فأنى له أن يقاوم قرار القيادة التى ترتدى ثوب الإسلام وهو الذى جُبل على الطاعة؟ فكان قراره بتطليق الشيوعية والاقتران الشرعى بأولئك الذين أطلقوا على أنفسهم «حركة إسلامية».

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى