الأخبار

تصريحات البرادعى أعادت طرح السؤال: هل تؤثر الأمية على خيارات الناخبين وحقهم في المشاركة باتخاذ قرارات مصيرية؟

14

 

 

 

تطرح التصريحات الأخيرة، التي أدلى بها الدكتور محمد البرادعي لقناة “بي بي إس” الأمريكية أمس الإثنين -وقال فيها إن أغلب المتعلمين والمهنيين كانوا ضد الدستور، بينما الفريق الذي صوت بـ”نعم” كان من الأميين- السؤال حول دور التعليم وتأثيره في قرار الناخبين بالتصويت.

كما تطرح جدلاً حول حق غير المتعلم في المشاركة باتخاذ قرارت مصيرية تتعلق بمستقبل البلاد، وهي قاعدة تشكل الركن الأساسي في أي نظام ديمقراطي.

يحسم الفيلسوف الفرنسي، جاك رانسيير، رأيه في كتابه الصادر عام 1987 تحت عنوان “معلم جاهل”، التمييز بين المتعلمين والجهلاء، فلا يري فرقاً بين من يشرحون وبين الحشود، التي تستمع إليهم، فالجميع لهم الحق في التفكير وممارسة الفكر، فهؤلاء الذين ننعتهم بالجهلاء، لا يتطلب الأمر منا سوي تغيير موضع نظرنا لهم لكي نكتشف كفاءاتهم، وكم أن هؤلاء الذين نصفهم بغير القادرين، قادرون علي القيام بأشياء مذهلة، لكننا نحن “المتعلمين” هم من لا يري.

يتفق المؤرخ خالد فهمي مع رانسيير، ويرفض تقسيم خريطة التصويت علي الاستفتاء علي أساس نسب التعليم والفقر، ويري أن في تصريحات البرادعي، قدراً كبيراً من التعالي والاستخفاف والتحقير ممن صوت بنعم، ويفترض أنه إذا كان الشخص غير متعلم فمن السهل التلاعب بآرائه، في حين أن العديد ممن صوتوا بنعم، رغم اختلاف فهمي معهم قد قاموا بحساباتهم بطريقة صحيحة من وجهة نظرهم.

لا يري مؤلف “كل رجال الباشا”، أن المسألة هنا تتعلق بالإدراك أو عدم الإدراك ولكن تتعلق بقاعدة ديمقراطية تقول أن الجميع لهم الحق في إبداء آرائهم طالما يعيشون تحت نفس الظروف، وكل شخص يكون عليه تحمل تكلفة الصوت الذي أدلي به مادام كان هو من اختار، فالديمقراطية تعمل علي توسيع مساحة العمل السياسي.

ويقول فهمي: “الأميون لديهم منطق وخطاب ولغة، ليس بالتعقيد الذي يمتلكه المثقفون أو المتعلمون ولكنه لا يمنعهم من تكوين آرائهم وحججهم وإن لم نكن قادرين علي الاستماع لذلك الخطاب فلن نكون جديرين بالتحدث نيابة عنهم”.

في المقابل يري د. أنور مغيث، أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان، إن فكرة التعليم فيما يتعلق بالديمقراطية تفترض أن المواطن الذي لم يتعلم من السهل التلاعب به وهذه فكرة صحيحة عموماً، ولكن في النهاية من يكررون تلك العبارة هم أنفسهم من يكررون عبارة أن الشعب سبق النخبة.

ويقول مغيث، إننا إذا قسمنا نسب التصويت بين متعلمين وغير متعلمين، فربما يكون كلام البرادعي صحيحاً، لكن هذا لا يعطي أي مشروعية سياسية أو قانونية، فالجميع متساو وله نفس الحقوق والواجبات، والشعب الجاهل قد تكون له مواقف أكثر راديكالية وقوة من النخب.

لكن مغيث يشير إلي أهمية دور التعليم ففي النهاية الدول ذات الديمقراطيات الراسخة هي التي ترتفع فيها نسب التعليم، مقارنة بنسب الأمية.

ومن منطلق تلك النظرة، تري فيروز كراوية، الناشطة الثقافية، والباحثة في الأنثروبولوجيا، إن الطريقة التي يقف بها عدد من المثقفين والنخب ضد الحديث عن الأمية علي أنها مشكلة في التصويت، تحول الحديث عن الأمية في النهاية إلي تابوه لا يمكن الاقتراب منه، وتضيف: “حساسيتنا من الحديث عن الأميين حساسية من يشعر أنه سرق فرصة آخرين ولم يقم بواجبه ناحيتهم، وهذا مفهوم، لكن الأميين أنفسهم يقولون إن هذه مشكلتهم”.

تؤكد فيروز تساوي جميع المواطنين متعلمين وأميين في الحقوق والواجبات، وعلي رأسها حق التصويت، لكنها تنتقد خطاب النخبة فيما يتعلق بالحديث عن مشكلة الأمية، فتري فيه فيروز الكثير من المزايدات التي تخفي المشكلة ولا تلتفت إليها، فالأميون كما تقول فيروز يعترفون بأن الأمية تمثل مشكلة لهم يسعون إلي تجاوزها، ومن ثم تري إن انتقاد النخبة لأي حديث عن الأمية، هو مزايدة تحول الأمية لخط أحمر، بينما الأفيد من المجادلة إذا كانت الأمية سبباً في التخلف أم لا أن يتحرك المتعلمون لتعليم الأميين القراءة والكتابة.

تري فيروز أن الحظ ربما لم يحالف د.محمد البرادعي في اختيار تعبيره، ولكنه كان يقصد حيوية الطبقة الوسطي التي تشكل عصب الثورة الأساسي برأيها من مهنيين ومتعلمين، ويشكلون القاعد الأكبر ممن يلتزمون بالثورة أدبياً وأخلاقياً.

تلفت فيروز النظر إلي تناقض تراه حين يلقي باللوم علي المتعلمين إذا تحدثوا علي الأمية كمشكلة، بينما لا يجد البعض أزمة حين يعبر الأميون أنفسهم عن تلك المشكلة.

“السياسيون يهتمون بمغازلة الشعوب، لكن الشعوب لا تهتم إلا بمن يستطيع حل مشاكلها، فالجدال حول الأمية وما إذا كانت مشكلة أم لا يظل جدالاً داخل النخبة لا يهتم به الأميون أنفسهم”، هكذا تري فيروز المشكلة، مؤكدة أن الالتفات للأزمة والعمل مع الأميين هو الحل، وليس لوم من يتحدث عن المشكلة.

 

بوابة الأهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى