الأخبار

بالمستندات.. تجارة الموت داخل «التأمين الصحى»

69

 

إذا كان الإرهاب يمثل صداعا مزمنا للنظام الذى ولد من رحم ثورة 30 يونيو، فإن القضاء على الفساد يعد التحدى الأبرز أمام هذا النظام، لاسيما أنه بات يهدد أركان الدولة، بعد أن استشرى بصورة غير مسبوقة فى جميع مؤسساتها.

السطور التالية تحمل وقائع فساد ترتكب داخل الهيئة العامة للتأمين الصحى، عن طريق تسهيل حصول «أكاديمية وهمية»، يرأسها شقيق مساعد وزير الصحة، على 88 مليون جنيه من أموال الغلابة، ولم يقتصر الفساد على النواحى المالية بل باعوا ضمائرهم للشيطان وتركوا المرضى فريسة لخريجى الدبلومات الفنية، ينهشون أعراضهم، ويستحلون دماءهم بدعوى أنهم حصلوا على شهادات تؤهلهم للعمل فى مجال التمريض والتحاليل والأشعة.

«التأمين الصحي» سهّلت حصول «أكاديمية وهمية» على 88 مليون جنيه

كشفت مستندات رسمية عن مخالفة الهيئة العامة للتأمين الصحى قرار رئيس الجمهورية رقم 1209 لسنة 1964 بقانون 75، الذى ينص صراحة على أن نشاط وأهداف الهيئة ينحصران فى تقديم خدمة الرعاية الصحية للمنتفعين مقابل سداد الاشتراكات، إذ قامت الهيئة بإبرام تعاقد مع أكاديمية وهمية تدعى «الأكاديمية الأوروبية لتكنولوجيا المعلومات والدراسات المتطورة»، بهدف إعداد دورات تدريبية لحملة المؤهلات المتوسطة، مدتها 60 يوماً عن طريق «التدريب بالمشاهدة» مقابل دفع الطالب مبلغ قيمته 8 آلاف جنيه للأكاديمية، فيما تحصل الهيئة منه على 200 جنيه لاغير.

وأوضحت المستندات، التى حصلت «المصرى اليوم» عليها، أنه لا توجد تراخيص باسم هذه الأكاديمية وإنما تعاقدت مع شركة تسمى «الشركة الأوروبية لتكنولوجيا المعلومات والدراسات المتطورة»، يرأس مجلس إدارتها محمد حسين قنديل، شقيق الدكتور عمرو حسين قنديل، مساعد وزير الصحة للطب الوقائى، عضو لجنة اختيار القيادات بالوزارة، وتحمل السجل التجارى رقم 51922، والبطاقة الضريبية رقم 913-245-376، ومقرها مبنى النقابة الفرعية للمعلمين بجنوب القليوبية، أرض حجازى، قسم أول شبرا الخيمة، وأن الغرض من إنشائها هو إعداد دورات لتدريب وتنمية الموارد البشرية فى مجال المعلومات والاتصالات، شريطة الحصول على التراخيص اللازمة.

وأشارت إلى مخالفة الهيئة العامة للتأمين الصحى شروط التعاقد بأن أعطت لنفسها وغيرها الحق فى إكساب أفراد غير مؤهلين شرعية علمية من الدرجة الرابعة طبقاً للكادر الوظيفى دون وجه حق، ما ينتج عنه قيام أشخاص غير مؤهلين بإجراء أمور طبية بشكل خاطئ قد تنتج عنه وفاة أو عاهة مستديمة لجموع المرضى الغلابة.

وأفادت المستندات بأن الهيئة سهّلت استغلال الأكاديمية الوهمية شعارها عن طريق وضعه على جميع الشهادات، وبيانات الدرجات، ومواقع التواصل الاجتماعى، لافتة إلى قيام طلاب فى محافظة سوهاج بتحرير محضر برقم 4207 إدارى قسم ثان سوهاج، يتهم خلاله الأكاديمية بالنصب والاحتيال، فضلاً عن رفض مكتب توثيق الخارجية ببنى سويف اعتماد شهادات الطلاب حسين جمال محمد، ومصطفى سمير فتح الباب، ومصطفى محمد عبدالهادى، لتضارب التوقيعات.

وأوضحت أن الهيئة منحت الأكاديمية الوهمية شهادات على بياض وبيان درجات مختومة بخاتم شعار الجمهورية الخاص بالهيئة، وممهورة بتوقيع الدكتورة سهير أحمد عبدالحميد، مدير فرع القاهرة للتأمين الصحى حالياً، ومدير إدارة التدريب سابقاً، تفيد بحصول المتدرب على شهادة فنى (تمريض – صيدلة – تحاليل طبية – أشعة – سكرتارية طبية – صيانة أجهزة طبية)، رغم أن التعاقد نص على منح المتدرب شهادة بمسمى «مساعد» وليس «فنى».

ووفقاً للمستندات فإن الإدارة العامة للشؤون القانونية قد تولت الإشراف على إعداد التعاقد إذ ورد ضمن تأشيرة الشؤون القانونية أنها راجعت التعاقد دون التعرض إلى الأساس القانونى الذى بنى عليه التعاقد بقصد التسهيل رغم مخالفته للقانون، خاصة أنه تم إدراج اسم «أكاديمية» ضمن شروط التعاقد بدلاً من «شركة»، بالمخالفة لمستندات التأسيس. وبينت أن التعاقد بين الهيئة والشركة يخالف القانون 89 لسنة 98، الذى يتمثل فى التعاقد بالأمر المباشر، كما يخالف بنود أحكام القانون المدنى بوضع شروط مجحفة لصالح الأكاديمية الوهمية، تتمثل فى إلزام الهيئة بفتح مستشفياتها أمام الطلاب للتدريب بالمشاهدة، فى تحدٍّ للقانون الذى يجرّم انتهاك خصوصية المريض دون موافقة كتابية منه، فضلاً عن أنه ليس من أهداف الهيئة إصدار مؤهلات علمية لجهات خاصة، وإنما خدمة منتفعيها صحياً مقابل سداد اشتراكاتها.

ومن ضمن ما يكشف حجم تعمد تسهيل الاستيلاء على المال العام، اعتماد مدير الإدارة المركزية للشؤون القانونية بالهيئة، كطرف أول فى إبرام التعاقد مع الأكاديمية، بتفويض من الدكتور عبدالرحمن السقا، رئيس الهيئة السابق، الذى تم تعيينه مديراً لإدارة الشؤون الطبية بمستشفى السكة الحديد، رغم تجاوزه سن المعاش، بالرغم من عدم قانونية التفويض، خاصة أن المذكورة ليست السلطة الأدنى مباشرة.

وبينت المستندات قيام الأكاديمية بمنح بعض المتدربين شهادات موقعة من الدكتورة سهير عبدالحميد بتاريخ يسبق تاريخ إبرام التعاقد بين الهيئة والأكاديمية بعام كامل، ومختومة بخاتم شعار الجمهورية الخاص بإدارة التدريب، ويحمل كود بصمة رقم 48895، الذى تحفظ عليه الدكتور على حجازى، رئيس الهيئة الحالى، بمحضر رسمى بتاريخ 5 مارس الماضى، خوفاً من سوء استخدامه.

وورد ضمن المستندات بيان درجات رسمى، يفيد قيام هيئة التأمين الصحى بتدريس مواد علمية لطلاب الأكاديمية، تخصص فنى علوم التمريض تمثلت فى: إنجليزى 1، إنجليزى2، صحة مجتمع، أساسيات تمريض، مقدمة فى الرعاية الطبية، وبائيات الأمراض، تشريح ووظائف الأعضاء، مبادئ علم التغذية، مصطلحات طبية، إسعافات أولية، مهارات الاتصال، مقدمة فى علم النفس، رعاية مسنين، مكافحة عدوى، سيكولوجيا النمو، تدريب عملى ميدانى، باثولوجى، صيدلة، تشريح، كيمياء عضوية، أحياء، تحليل طبية، ومعامل بالمخالفة للحقيقة.

وأشارت إلى أنه فى تاريخ 5 مارس الماضى تم اكتشاف الواقعة عن طريق رئيس الهيئة الحالى، وتمت مخاطبة الأكاديمية لإرسال خطاب رسمى يفيد طلبهم إنهاء التعاقد، وهو ما رفضته الأكاديمية، وخاطبت الهيئة لإبلاغها برغبتها فى تمديد التعاقد لمدة شهرين، بدعوى الانتهاء من تدريب الدفعة الأخيرة البالغ عددها 3375 طالباً، رغم انتهاء التعاقد قانوناً فى 30 إبريل الماضى، وهو ما وافق عليه رئيس الهيئة.

وبحسب المستندات فإن رئيس الهيئة الحالى ورئيس الإدارة المركزية للشؤون القانونية أخطرا مباحث الأموال العامة رسمياً بما يفيد عدم قانونية إصدار التأمين الصحى شهادات علمية وبيانات درجات رسمية، كما أرسلت وزارة الصحة خطاباً آخر يفيد نفس المعنى، وكذا وزارة التعليم العالى، وغيرها من الوزارات المختصة بالواقعة.

وأشارت المستندات إلى إبرام الأكاديمية تعاقداً مماثلاً مع معهد ناصر للبحوث والعلاج، التابع لوزارة الصحة، العام قبل الماضى، استمر قرابة عام ونصف، تم بمقتضاه تخريج آلاف الطلاب، قبل أن يتم إلغاؤه من قبل الدكتور سامح العشماوى، مدير المعهد السابق، بعد أن اكتشف مخالفة التعاقد للقانون.

أكاديمية بيع الوهم: سقف «صاج» ودورات المياه «مراحيض عمومية»

المقر الرئيسى وفق المستندات، مبنى النقابة الفرعية للمعلمين بجنوب القليوبية، أرض حجازى، قسم أول شبرا الخيمة، من الوهلة الأولى تساورك الشكوك بأنه عنوان وهمى، فكيف لأكاديمية تدخل فى شراكة مع هيئة بحجم التأمين الصحى، بعشرات الملايين، تتخذ مقرا لها فى مثل هذا العنوان؟! تبددت هذه الشكوك وحل بدلا منها يقين لا يقبل مجالا للشك، فور أن وطئت أقدامنا أرض المقر الرئيسى.

«أكاديمية تكنولوجيا المعلومات والدراسات المتطورة تقبل الحاصلين على الثانوية العامة والأزهرية وما يعادلها من الدبلومات الفنية هذا العام والأعوام السابقة للحصول على شهادة مساعد خدمات صحية فى تخصصات: تمريض، صيدلة، تحاليل، سكرتارية طبية، وبجوارها شعار هيئة التأمين الصحى».. لافتة صفراء اللون تتصدر أعلى مبنى متواضع، سقفه مصنوع من «الصاج»، يتكون من ثلاثة طوابق، يقف أمامه موظف بسيط، رفع رأسه لأعلى، وهو يشير لنا إلى الدور الثالث، حيث المكان المخصص للأكاديمية الوهمية.

تركت الموظف، وتجاوزت باب المبنى الرئيسى، فى طريقى للصعود إلى الطابق الثالث. «أى خدمة؟»..سؤال استقبلنى به شخص يدعى «جمال»، قدم نفسه على أنه موظف بالمكان، وأجاب ردا على استفسارى عن التخصصات المتاحة، حيث أقنعته برغبتى فى التقديم بالأكاديمية: «المعهد فى بادئ الأمر كان به ثلاثة تخصصات: تمريض، وصيانة أجهزة، ومساعد صيدلى، لكن الآن لا يوجد إلا قسم للتمريض، مقابل 2000 جنيه فى العام يتم دفعها على أقساط خلال العام».

ثم طلب منى مغادرة المكان، إلا أننى أقنعته بأن هناك أصدقاء لى يرغبون فى الالتحاق بالأكاديمية، وأنه لابد من التجول بالمكان والتقاط بعض الصور، وأمام إلحاحى وافق على مضض.

الشقة عبارة عن أرضية «بلاط مزايكو» وطرقة أوصلتنى إلى غرفة بها ثلاجة قديمة، وتتزين جدرانها بصور ولافتات متعلقة بنقابة المعلمين وليس الأكاديمية، ثم غرفة ثانية صغيرة تتواجد بها سيدة خمسينية، اتضح أنها عاملة البوفيه، وغرفة ثالثة تحوى «دككا» متهالكة ومروحتين واحدة بالسقف والأخرى بجوار السبورة ومليئة بالتراب، ما يدل على عدم استخدامها منذ فترة طويلة. أخبرنى «عم حمدى» بأنها قاعة مخصصة لتدريب طلاب الأكاديمية، بالإضافة إلى 3 غرف أخرى ادعى أنها خاصة بالتدريب العملى.

أما دورات المياه فهى أبرز ما يميز المكان، لأنها أشبه بـ«مراحيض عمومية»، فهى عبارة عن حمامين مساحة الواحد فيهما لا تزيد على متر فى متر ونصف، يوجد عليه باب خشبى متهالك، والأرضية عبارة عن «بلاط عادى».

244193_0.JPG
244204_0.jpg
مصر الاخباريه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى