الأخبار

بالأسماء.. العمليات العسكرية من “درع الصحراء” إلى “عاصفة الحزم”

 

 

59

أثار إعلان إطلاق عمليات تحالف “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية، ضد الحوثيين في اليمن، ردود فعل واسعة، فقبل الإعلان عن نتائج هذه العملية، طغت الأجواء الإيجابية على الرأي العالم العربي والعالمي، ولعل السبب الرئيسي لهذا الأثر الأولي الإيجابي كان وراءه الاسم القوي والمعبر للعملية وهو “عاصفة الحزم”.
ورغم عدم صدور أي تفسير رسمي لاختيار هذا الاسم، بد واضحاً أن “عاصفة الحزم” جاءت من قلب العمق العربي والخليجي بلغة عربية واضحة، حددت الحسم والحزم والانضباط، موضحة عاملين أساسيين في المعركة وهما قوة القرار العربي الموحد “الحازم”، وطبيعة العملية “العاصفة” بالانقلابيين الحوثيين.
وكان لاختيار هذا الاسم وقع قوي لا يمكن تجاهله على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ اليوم الأول للعملية، حيث تصدر وسم “عاصفة الحزم” الاهتمام العالمي على موقع تويتر، وأثار حماسة الشباب العربي، وروى ظمأه المتعطش لرؤية قوة عربية موحدة، صانعة للقرار.
وانطلاقاً من الآثار التي حصدها هذا اللقب وقوة وقعه وتأثيره، نستعرض في ما يلي تاريخ نشوء ألقاب العمليات، والأهداف التي تسعى الأسماء لتحقيقها.
الملعقة الزرقاء
يتناول تقرير مفصل نشره موقع موقع “غلوبل سكيورتي” الأمريكي، للكاتب غريغوري سي سيمنسكي، تاريخ تسمية المعارك في الحروب العالمية منذ الحربين العالميتين الأولين.
ويروي التقرير قصة عملية “الملعقة الزرقاء”، وتأثير الاسم السلبي واللجوء لتغييره قبل أيام من انطلاق العملية، فعندما أمر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بغزو بنما في 1989، تلقى مسؤول العمليات في هيئة الأركان المشتركة، الفيق توماس كيلي، اتصالاً من القائد العام للقوات المسلحة الجنرال جيمس ليندسي، لم يدر حول تغيرات اللحظة الأخيرة، وإنما تعلق بتفاصيل وصفت بالتافهة للعملية، أي اسمها، حيث قال له: “هل تريد أن يقول أحفادك يوماً إنك شاركت في الملعقة الزرقاء؟” وفي الحال وافق الجنرال كيلي على أنه ينبغي تغيير الاسم، وبعد إنهاء الاتصال، ناقش الجنرال كيلي البدائل مع نائبه في العمليات الحالية العميد جو لوبيز، وسأله ما رأيك بتسميتها “جست أكشن”، ليتفق الاثنان أخيراً على تسميتها “القضية العادلة”.
بداية التسمية في أمريكا
ومن هنا، ولد التوجه الأخير في تلقيب العمليات وإعطائها اسماً حركياً، فمنذ عام 1989 لقبت العمليات العسكرية الرئيسية في الولايات المتحدة لتناسب التصورات المحلية والدولية حول الأهداف المرسومة لها، وتعد عملية “القضية العادلة” خير مثال على هذه الظاهرة، وجاءت بعض أسماء العمليات لتوضح الهدف الإنساني للعملية، على غرار “عملية توفير الدعم” في تركيا، وبعض التسميات أيضاً جاءت لتعزز هدف إعادة الديمقراطية للسلطة، مثل عملية “الحفاظ على الديمقراطية” في هايتي، ومن الواضح أن الجيش بدأ بالاعتراف بقوة الأسماء في حملات العلاقات العامة، وأهميتها أيضاً لتحقيق الفوز بتلك العمليات، ويتضح ذلك في التصريح الأخير لرئيس الشؤون العامة للجيش الأمريكي اللواء تشارلز ماكلين، حيث قال: “التصورات التي يشكلها الناس عن العملية تعدّ عاملاً هاماً لنجاحها تماماً مثل تنفيذها”.
دور التسمية في الإعلام
وفي هذا السياق يقول البروفيسور راي الدون هيبرت، في مقالة له بعنوان “العلاقات العامة كسلاح في الحرب الحديثة” إن “الاستخدام الفعال للكلمات ووسائل الإعلام اليوم هو بنفس أهمية الاستخدام الفعال للرصاص والقنابل، وفي النهاية لم يعد كافياً فقط أن تكون قوياً، ولابد من التواصل للفوز، واليوم ليس المطلوب من الحكومات فقط هو أن تفوز بالحرب في أرض المعركة، وإنما عليها كسب عقول جماهيرها”.
مراحل التسمية
ولفت التقرير إلى أنه مثل أي جانب من جوانب التخطيط التشغيلي، تقع وظيفة تسمية العمليات في البداية على عاتق ضباط الأركان من المستوى المتوسط في وزارة الدفاع والوكالات، وترجع لأوامر موحدة ومحددة، والتي تمنح ضباط هيئة الأركان المشتركة حرية كبيرة في تسمية العمليات، لأن الأسماء المستعارة للعلميات تساعد على تحديد الطريقة المتصورة لمجرى العمليات، وبالتالي يجب على ضباط الأركان تطوير ليس فقط مهاراتهم في إدارة العمليات، وإنما أيضاً تطوير مهاراتهم في إطلاق التسميات المناسبة والناجحة لها.
الحربان العالميتان
ويلفت التقرير إلى أن أول من بدأ بإطلاق أسماء على العمليات كانت هيئة الأركان العامة الألمانية وذلك خلال السنتين الأخيرتين من الحرب العالمية الأولى، حيث استخدم الألمان أسماء رمزية للحفاظ على سرية العمليات في المقام الأول، وكانت الأسماء أيضاً وسيلة سهلة ومريحة لمتابعة وتعقب سير العمليات، ودخلت أسماء العمليات حيز الاستخدام في نفس الوقت مع بروز فن إدارة العمليات العسكرية، إذ كانت تسمية العمليات ببساطة، أسهل وسيلة للتعامل مع تعقيدات التسلسل العملياتي بأسلوب يسّهل على الضباط المنخرطين فيها تذكر محطاتها.
واختار الألمان أسماء كانت سهلة التذكر وملهمة بنفس الوقت، إذ شهدت خطط الهجوم على “الجبهة الغربية” في ربيع عام 1918، استخداماً واسعاً للأسماء المشفرة للعمليات، حيث استوحى الألمان أسماء العمليات من مصادر دينية أو قروسطية أو أسطورية، وهدفت هذه الأسماء إلى رفع معنويات الجنود وتشجيعهم على الاندفاع بزخم نحو المعركة.
ترميز لوني
وبين التقرير أن الجيش الأمريكي اعتمد على إطلاق أسماء مشفرة على العمليات، خلال الحرب العالمية الثانية، لأسباب أمنية بالدرجة الأولى، واعتمد في تسمية خطط الحرب على الترميز اللوني، إذ أطلق على خطط احتلال جزر الأزور وداكار اسمي “الرمادي” و”الأسود”.
وأوضح التقرير أنه على الرغم من أن الكلمات الواردة في فهارس الترميز البريطانية والأمريكية تم اختيارها عشوائياً، إلا أنه تم اختيار أسماء العمليات الكبيرة بطريقة مدروسة، حيث كان لوينستون تشرشل يداً واضحة في ذلك، إذ دفعه ولعه باختيار الأسماء المشفرة للعمليات، لتحمل مسؤولية تلقيب العمليات الكبرى كافة، وذهب تشرشل لتدوين بعض المبادئ الرئيسية لتوجيه معاونيه:
1-العمليات التي قد تحصد عدداً كبيراً من الأرواح يراعى ألا توصف بكلمات تمنح ثقة مفرطة بالنفس، وعلى العكس، الخطط التي تسعى لتطويق اليأس ينبغي ألا تكون تافهة أو عادية، وينبغي تجنب أسماء الأشخاص الأحياء، من وزراء وقادة.
2-العالم واسع ومليء بالأسماء الذكية، لذا يجب الابتعاد عن الأسماء التي لا توحي بطبيعة العملية أو التي قد توحي بالاستخفاف، فليس من المهيب أن تقول الأم بأن ابنها قتل في عملية تسمى “عناق الأرانب” أو “الضجة”.
3-أسماء العلم جيدة في هذا المجال، وأيضاً أبطال العصور القديمة، إضافة للأرقام اليونانية والأساطير الرومانية، والأبراج والنجوم، وخيول السباق الشهيرة، وأسماء من أبطال الحرب البريطانية والأمريكية، شريطة أن تندرج ضمن القواعد المذكورة أعلاه.
الأسماء لتشكيل المفاهيم
ورغم هذه المساعي الأولية لتحديد الأسماء، كانت أسماء عمليات الحرب العالمية الثانية محدودة التأثير في مجال تشكيل المواقف، كون تصنيفها جاء بعد انتهاء الحرب.
ولكن في أمريكا، بعد وقت قصير من انتهاء الحرب، قررت وزارة الحرب استخدام أسماء العملية لأغراض الإعلام بالتزامن مع اختبار القنبلة الذرية.
درع الصحراء
وفي إطار تناول التقرير لأسماء العمليات الأكثر تأثيراً، عرض تفاصيل تسمية عملية درع الصحراء، وتأثيرها، لافتاً إلى أنه في أغسطس 1990، بذل موظفو القيادة المركزية جهداً كبيراً لاختيار أفضل اسم للعملية التي هدفت إلى تحرير الكويت من  الاحتلال العراقي، ويوحي الاتجاه إلى تسمية العملية بدرع الصحراء بتغييرات جذرية في طريقة اختيار الأسماء، حدثت في الأشهر التسعة بعد انتهاء غزو بنما، عندما تم تغيير اسم عملية “الملعقة الزرقاء” قبل وقت قصير من بدء العملية، وشكل تسمية عملية “درع الصحراء”، وخليفتها، “عاصفة الصحراء”، نقطة تحول في هذا “الفن” الجديد نسبياً.
عاصفة الصحراء
وبين التقرير أن تسمية المرحلة الهجومية لحملة الخليج شكلت اعترافاً بنجاح اسم “درع الصحراء”، حيث لعب الجنرال الأمريكي شوارزكوف دوراً هاماً في خروج مسمى “عاصفة الصحراء”، بهدف التأسيس لقاعدة محددة في اختيار الأسماء المتعلقة بنفس القضايا.
المبادئ التوجيهية لتسمية العمليات
وأوضح التقرير في نهايته أنه بعد 45 عاماً من تلقيب العمليات، نشرت وزارة الدفاع الأمريكية، مبادئ توجيهية لتسمية العمليات أوضحت أنه يجب أن تكون الأسماء ذات معنى، وأن تستهدف الجماهير الرئيسية، وأن تحذر من الموضة الدارجة، إضافة لجعلها قوية قابلة للحفظ في الذاكرة العامة.
وفيما يلي أبرز أسماء للعمليات:
“مخلب النسر”: هي عملية عسكرية نفذها القوات المسلحة الأمريكية بجانب قوات القوات الخاصة، لتحرير الرهائن الأمريكيين الذين عملوا في السفارة الأمريكية بطهران عام 1980.
عملية “أوفرلورد”: غزو شمال غرب أوروبا في الحرب العالمية الثانية من قبل قوات الحلفاء 1944.
“اورانوس”: أطلقت روسيا على أول هجوم مضاد في ستالينغراد في نوفمبر عام 1942 اسم “اورانوس”، ثم اسم “زحل” على الهجوم المضاد التالي.
“درع الصحراء”: سميت عملية الانتشار للمساعدة في الدفاع عن المملكة العربية السعودية بعد الغزو العراقي للكويت باسم “درع الصحراء” وذلك في أغسطس 1990.
“عاصفة الصحراء”: عملية إخراج القوات العراقية من الكويت، سميت باسم “عاصفة الصحراء”، في يناير 1991.
“الحرية الدائمة”: سميت العمليات اللاحقة للهجمات الأمريكية على أفغانستان في أكتوبر 1991 “الحرية الدائمة”.
“استعادة الأمل”: سميت العملية العسكرية الأمريكية في الصومال لمساعدة المدنيين الصوماليين وإنهاء الحرب الأهلية باسم “استعادة الأمل” عام 1993.
“الغاية”: سمي الجزء البريطاني من العملية العسكرية ضد العراق عام 2003 بـ “تيليك” وهو صفة إنجليزية مستمدة من كلمة “تليكوس” الإغريقية، التي تعني “الغاية”.
“النسر”: اختار الجيش المصري اسم “نسر” لحملته العسكرية في شبه جزيرة سيناء التي بدأت في 12 أغسطس  2011، بهدف تعقب عناصر إرهابية متطرفة.
“العقرب الإسبارطي”: انطلقت عملية العقرب الإسبارطي في يونيو 2003 للمساعدة في تنظيف الريف العراقي من الجماعات شبه العسكرية.
“العزيمة الصلبة”: أعلنت الولايات المتحدة في أكتوبر 2014 إطلاق اسم “عملية العزيمة الصلبة”، على الأعمال العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة على رأس التحالف الدولي، لمواجهة تنظيم “داعش” في العراق وسوريا.

 

 

 

الفجر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى