الأخبار

أزهري يقدم وثيقة عالمية لـ

48

أكد الدكتور أحمد علي سليمان عضو المكتب الفني بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد برئاسة الوزراء، والمدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية، أن تجديد الخطاب الديني في هذا الوقت المهم من تاريخ أمتنا أمر حتمي، وضرورة حياتية وعالمية، نظرًا لما تواجهه الأمة الاسلامية في عصرها الراهن من تحديات متواترة، وما تعيشه من حالة السبات العميق، الأمر الذي يستلزم إيقاظ الأمة وبعث قيم التقدم في الفكر الإسلامي في نفوس شبابها، وتقوية تقوية الجهاز المناعي للأمة، وترسيخ الحصانة الفكرية والسلوكية لشباب الأمة، من خلال خطاب إعلامي جديد وراسخ يوائم بين الأصالة والمعاصرة.
في البداية.. بكونكم عضوا في المكتب الفني بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد التابعة لرئاسة الوزراء، لماذا الحديث الآن عن تجديد الخطاب الديني؟
في الحقيقة أن الناظر في عالمنا المعاصر يجد أنه يجتاز حاليا مرحلة جديدة من مراحل حياته، ويواجه فيها عواصف عاتية، وتيارات متباينة، يثير بعضها ضبابا كثيفا يكاد يحجب الرؤية الصحيحة، ويؤثر في الإدراك الواعي لحقيقة الإسلام وجوهره وقدراته الخلاقة في بناء الإنسان المعاصر على أسس قويمة رشيدة هادية، وإزاء هذه التحديات يجب أن نتحرك على عدة مسارات لمواجهة هذه التحديات بخطاب تجديدي يظهر بجلاء حقيقة هذا الدين العالمي الحنيف للعالم من ناحية، وينشر المحبة والتسامح وقبول الآخر في مجتمعاتنا وأيضًا في العالم من ناحية أخرى.
برأيكم تجديد الخطاب الديني من الممكن أن يعيد تنظيم حياة الناس بهذه الصورة؟
الناظر المدقق في شتى المشكلات العالمية الموجودة على الساحة الدولية سواء أكانت اقتصادية أم سيايية أم ثقافية أم اجتماعية، يلاحظ أنها ناجمة عن البعد عن المنهج الإلهي، وعن المعايير الدينية الحاكمة للفكر والسلوك والتربية، والتي من شأنها – لو طبقت- أن تحقق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وإذا كانت الظروف الحياتية بكل متغيراتها تفرض أنساقا وأنماطا فلسفية معينة على الثقافات المتوارثة والسائدة في المجتمعات، إلا أنها ما تلبث أن تذوب أو تتلاشى مع مرور الأيام.
أما الإسلام بربانية مصدره – والكلام لـ”سليمان” – ، فإنه يؤثر في تلك الأنساق الفلسفية، ويتعاطي معها ويحتويها، ويؤثر فيها، ولما كان التجديد فريضة إسلامية، وسنة متبعة، فإنه يعد في الوقت ذاته تصحيحا لمفاهيم مغلوطة، وتفنيدا لأباطيل شائعة، أسهم فيها بقصد أو بغير قصد -العالم الإسلامي، حين قصر في أداء واجبه نحو الدعوة إلى دينه العالمي الخاتم، وتقاعسه عن التعبير عن ذاتيته بخطاب تجديدي تكاملي وشمولي يراعي المستجدات على الساحة الدولية.
فالتجديد في الإسلام ليس بدعا في الدين بل هو منطلق طبيعي، تمليه النصوص الدينية من جانب، والتطور الحياتي من جانب آخر، تحقيقا لما اختص الله -تعالى- به هذا الدين من صلاحيته لكل زمان ومكان، ومسايرته للتطور وقبوله المستجدات، مع حفاظه على ثوابته التي تضمن له البقاء صامدا شامخا، على مر العصور، وكلها من مقومات وبراهين عالميته وخاتميته ووسطيته وخيريته.. فقد جاء الإسلام من عند الله عز وجل قويا متينا وسيظل كذلك إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، وتنبع قوته من ربانية مصدره ومن حفظ الله تعالى له، فهو محفوظ بحفظ الله، ومحروس بحراسة الله سبحانه وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
هل وضع آليات لتجديد الخطاب الديني يقصد بها الخطاب المحلي فقط ؟ 
نحن نعرض لآليات تجديد الخطاب الديني للمسلمين في العالم الإسلامي، وللمسلمين في مجتمع المهجر، ولغير المسلمين في كل مكان، وفي هذا المقام نجد يا أستاذ أحمد أنه من الأمانة العلمية والتاريخية أن نوضح للقارئ الكريم أن الغرب ليس كله ضد الإسلام، وبالتالي يجب أن نفرق بين الغرب كشعوب، وبين الغرب كمؤسسات للقرار، فالغرب كشعوب ليس لدينا معهم مشكلة، ولا يجب أن تكون، والمجتمع الغربي عموما ينقسم إلى فئات ثلاث: “عامة الناس، والمثقفين والباحثين والعلماء، والغرب كمؤسسات للقرار.
والفئة الأخيرة – وكما يؤكد “سليمان”  هم الذين يمثلون الغرب المستغل، لأن الغرب صاحب مشروع السيطرة والتقسيم والعدوان على الآخرين، وصاحب منظومة الكذب التي تشوه الآخر وتحط من قدره، وتحاول إشاعة الخوف منه، وتلصق به أبشع الاتهامات، ولا تكف عن الهجوم عليه، واستعداء الشعوب ضده، ومن هذا المنطلق يمكن أن تنطلق عملية التجديد والتعريف بالإسلام في الخارج للفئتين الأولى والثانية (الشعوب – العلماء والمثقفين والأكاديميين) بفاعلية، ولنا تجارب شخصية في هذا المجال، ومن خلال التجربة والشواهد نستطيع أن نؤكد أن الإنسان الغربي لا زال لديه من رصيد الفطرة ما يمكنه مِن تقبل الحقيقة إذا عُرضت عليه بذكاء وبطرق منهجية جديدة، كما أن مساحة الحرية المدنية التي يتمتعون بها تجعلهم يدافعون عن الفكرة التي يؤمنون بها، لذلك فلابد من التجديد الذي يراعي هذه الأمور ويتعاطي مع شتى الظروف والمتغيرات التي نعيشها ليل نهار.
كيف ترى نجاح الدعوة الإسلامية وسط التغيرات السريعة واستخدام التكنولوجيا في كل شئون الحياة؟
إن نجاح الدعوة الإسلامية والخطاب الديني ونفاذه إلى عقول المخاطبين وقلوبهم ووجدانهم، مرهون بمدى وعينا وتفهمنا لضرورة تجديد هذا الخطاب وبذل الكثير من الجهد في سبيل ذلك، ولن يتأتى ذلك إلا بإعداد الدعاة إعدادًا يتناسب مع مباشرة مهامهم سواء داخل بلاد المسلمين أو في الغرب، إعدادا معرفيا وأخلاقيا وسلوكيا يجعل من كل واحد منهم وكأنه سفيرًا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأيضًا يجعل كل واحد منهم موسوعة معارف متنقلة، ومجيدا للغات الحية، ومتبحرا في فقه الواقع وأيديولوجيات الدول الغربية وفلسفاتها السائدة.. إعدادا يبرز عالمية الإسلام ووسطيته… إعدادا يهتم بالجوهر وبالمظهر معا، وإنها لمهمة جد صعبة، أعتقد أنه لا مناص منها، إذا أردنا الريادة والسيادة والبقاء والتأثير في العالم.
أعددتم بحثا مؤخرا عن تجديد الخطاب الديني، اشتهر خلال الأيام الأخيرة.. كدراسة ميدانية قمتم بها في قارتي أستراليا وأوروبا لو تحدثنا عنه؟
نعم لي بحث قمت بعرض بعضه في مؤتمر وزارة الأوقاف الخاص ببحث تجديد آليات الخطاب الديني مؤخرا، ويتضمن تجارب عملية وشخصية في مجال التعريف بالإسلام بخطاب جديد وبصورة تطبيقية، حيث أتيحت لي خلال الأعوام الماضية زيارة قارتي: (أستراليا، وأوروبا) والقيام بمهام الدعوة والتعريف بالإسلام هناك، ويتضمن البحث ثلاثة مباحث، تركز على منهجية إعداد دعاة عصريين، وطبيعة العلاقة بين المسلمين وغيرهم، ووضع الجاليات المسلمة خارج بلاد الإسلام، ومصادر الكراهية والخوف من الإسلام في الغرب، ووسائل تحسين العلاقات، والتعريف ببعض التجارب الرائدة في مجال التعريف بالإسلام، وجهود الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد (قطاع التعليم الأزهري) في تطوير التعليم الأزهري، ووضع المعايير التي من شأنها أن توجِد داعية عصريا ينشر الخير في كل مكان، ويتناول المبحث الثاني جهود الهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء ITQAN ببروكسيل في تجديد الخطاب الديني، والثالث خبرات عملية ودولية ومقترحات لتجديد الخطاب الديني.
برأيكم هل تختلف مناهج وأساليب الدعوة من مكان لآخر؟
الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين، وسبيل العلماء العالمين، فإذا كان الطبيب يعالج الأمراض، فإن الداعية يعالج السلوك المُعْوَّج، ويرسم الطريق الصحيح والقويم لمن يدعوهم وفق تعاليم الإسلام، والدعوة منصبٌ خطيرٌ ومرتقى صعب المنال لا يصل إليه طالبه بيسر، بل يحتاج مبتغيه إلى زاد عظيم؛ لذا يتعين علي الداعية أن يتخلَّق بأخلاق الإسلام ويتزود بكثير من العلوم والمعارف والمهارات فالتطور الطبيعي للحياة يقتضي إيجاد داعية يمتلك مستوى رفيعا من العلوم والمعارف والثقافة والخبرات والتطور ليساير التطور المتلاحق ومن ثم يكون صالحا لهذه المهمة، فهو ينقل عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما نقله الرسول عن ربه تعالى.
والداعية أيضاً يتعامل مع نفوس بشرية مختلفة وطبائع متعددة، وبيئات متنوعة وكل ذلك فيه ثراء وإضافة؛ لذلك أؤكد لكم أن مناهج وأساليب الدعوة إلى الله تختلف من مكان لآخر ومن بيئة لأخرى ومن زمان لآخر، فإذا كانت الدعوة موجهة للمجتمع المصري مثلا فهناك منهج معين، وإن كانت في المجتمع الخليجي فثمة منهج آخر، وإذا كانت في المجتمع الإسلامي الذي لا ينطق اللغة العربية فهناك أسلوب آخر، وإن كانت في المجتمع الغربي فإما أن يكون المجتمع علمانيا أو مسيحيا، وإن كان الثانية فقد يكون إما أرذثوكسيا أو بروستانتيا أو كاثوليكيا، ولكل واحد منهم منهجية في التعريف بالإسلام.
ما مقترحاتكم لتحقيق الجودة في الدعوة الإسلامية؟
أقترح وضع منظومة معايير جودة صحيحة وواقعية ومعتمدة لمجالات العملية الدعوية وعناصرها والتي تشمل: (المؤسسة- الداعية- المحتوى -الوسائل- العاملين- الإجراءات – المتلقين – القياس والتقييم) استرشادا بالمعايير الدولية، وبما يتوافق مع ثوابت الإسلام، وهُوية المجتمعات، ونشر الوعي بأهمية ثقافة الجودة والإتقان وأثرها في تطوير العمل الدعوي بين العاملين في المنظومة الدعوية، وتأكيد الثقة والتقدير في الرسالة الدعوية، من خلال التنسيق مع المؤسسات الدعوية في العالم، وتبادل الخبرات، والاستشارات، وإعادة المسجد كما كان –منارة حضارية لمجتمعه-.
وذلك من خلال تعدد مجالات المسجد الإصلاحية، وشمولية رسالته، وواقعية معالجته، لقضايا محيطه المسلم وغيره، وتحفيز مهارات الإبداع، والابتكار، والتشارك، وتبادل التجارب بين العاملين في الحقل الدعوي، بما ينعكس على تجويد الدعوة وتجديد أساليبها، والارتقاء بمهارات التخطيط الاستراتيجي، والقيادة الحديثة، لمنظومة الدعوة، بتطبيق أحدث نظم الإدارة مع التطوير المستمر لوسائل الدعوة،وأساليبها وضمان جودتها، وهذه الجهود تسعي الهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء ببروكسيل للقيام، وهناك شراكة وتعاون بينها وبين وزراة الأوقاف المصرية، ويرأسها عالم أزهري هو فضيلة د. محمد أبو هاشم نائب رئيس جامعة الأزهر، ولابد للأزهر الشريف أن يدعمها حتى يكتب لها النجاح والانتشار.
لكن ما مقترحاتكم في استخدام التكنولوجيا في خطبة الجمعة؟
من القضايا التى أعلم أنها ستُحدث جدلاً، قضية (إدخال التكنولوجيا فى خطبة الجمعة)، ولكن بشىء من التعقل والروية والموضوعية، ومشاركة العقل مع العاطفة الدينية، يمكن تجاوز هذا الجدل بصورة حضارية، تؤكد عالمية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وهنا يجب أن نتفق سويا على أن العالَم المعاصر يشهد طفرات تكنولوجية متسارعة ومتلاحقة، استفاد منها النابهون فى معظم مجالات الحياة، غير أن استفادة المؤسسات الدينية من هذا التطور ما زالت في إطار محدود.
فعلى الرغم من أن التطور سنَّة من سنن الله -تعالى- فى خلقه، وهو أمر طبيعى تقتضيه عوامل البقاء على هذا الكون، فطرائق الشرح والتدريس تتغير وتتطور وتتجدد، وأساليب التربية والتعليم تتطور، ووسائل عرض المعلومات تتطور، ومن هنا فتجديد شكل وآليات وطريقة عرض الخطاب الدينى لا تقل أهمية عن تجديد مضامين هذا الخطاب؛ لأن الخطاب الدينى الصحيح والمؤثر هو صمام أمان المجتمع، ونعتقد أن الاجتهاد فى هذا المجال ضروريا، ومطلبًا متوازنًا، خصوصا إذا كنا نؤكد وبحزم على احترام هيبة الخطيب والخطبة بشكل عام، لاسيما فى هذا العصر الذى يتسم بسرعة التطور والتعقيد، مما يضع على عاتق المؤسسات الدينية ومؤسسات إعداد وتدريب خطيب الجمعة عبئاً كبيرًا لتنمية وتطوير أدواته وآلياته التى تمكنه من النجاح فى القيام بمهمته، وليكون مسايرًا لمستجدات العصر، خصوصا فى هذا الوقت من تاريخ أمتنا، وظهور تيارات دينية بأفكار متباينة يرسم بعضها صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين.
إن استدعاء المشهد الإسلامى من لدن اعتماد النبى (صلى الله عليه وسلم) إشارات بعينها يسهم فى القضاء على الهوة بين النظرية والتطبيق، من خلال ضرب الأمثال وتقريب المشهد التاريخى، من خلال الصور والخرائط والرسوم وغيرها، للشعائر والفرائض والأركان، ويرسخ الأبعاد المعرفية لدى المتلقى لتظل وثيقة حاضرة فى ذاكرة المسلم، ومن المعلوم لدى علماء التربية والإعلام وغيرهم أن الصورة فى التعلم، تكون أبقى أثرًا فى الذاكرة من الكلام والنصوص، وأشد وقعًا وتأثيرًا على المشاعر والوجدان، وأسعف وأسرع فى الاستدعاء، والصورة فى الصحافة تساوى ألف كلمة، كما أن إعمال عدد من الحواس لدى المتلقي لخطبة الجمعة يجعله فى حالة ترقب، مما يجعل خطبة الجمعة أكثر تشويقاً ومناسبة لمختلف المستويات الثقافية والاجتماعية.
وهكذا فمن الحكمة أن نستخدم كل ما يعين على الفهم، وما يزيد فى البيان، فلا نكتفى بحاسة واحدة هى حاسة السمع، فليشترك البصر، وإعمال الفكر، وغيرهما فى الاستعداد الكامل للتلقى والتفاعل. ولكى يتأكد موضوع الوضوح والتأثير فى الخطاب، فإن الله -تعالى- لم يرسل رسولاً إلا بلسان قومه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)، فلابد إذن أن يفهموه، بشتى الوسائل التى من شأنها تحقيق هذا الهدف.
أفهم من ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أدخل التكنولوجيا في خطابه الدعوي؟
بالتأكيد وهذا ما أثبتناه في بحوث كثيرة، فقد استخدم النبى (صلى الله عليه وسلم) الوسائل التوضيحية المتاحة فى عصره وهو يُعَلِّم أصحابَهُ؛ ليعلمنا أن نتفاعل مع العصر، ونستفيد من معطياته ومنجزاته العلمية والتقنية، التي تساعد على الإفهام، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يراه الصحابة وهو يمسك عودًا ويخط خطًّا مستقيما على الأرض، ثم يخط خطوطًا متعرجةً، ويقول لأصحابه: أتدرون ما هذه الخطوط، فيقولون: الله ورسوله أعلم، فيقول: الخط الأول هو طريق الله تعالى.
أما الخطوط المتعرجة فهى طرق الشيطان، وتارة ثانية يشير بإصبعيه السبابة والوسطى وهو يقول: «أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين، وأشار -بإصبعيه- السبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا» فى إشارة واضحة منه إلى أن من يكفل اليتيم سيكون قريبا منه فى الجنة، وتارة ثالثة يراه الصحابة الكرام، وقد أخذ ذهباً بيمينه، وحريرًا بشماله، وقال: هذان حرام على ذكور أمتى، حلّ لإناثها، وتارة رابعة يعلّم أصحابه المنهج العلمى فى كيفية الرفق بالحيوان -وهذه دعوة محسوسة- عندما كان يأكل تمرًا بيمينه، ويضع النوى فى يساره ويعلف به ناضحه -أى الكبش- ويمسح على رأسه رحمة به، ويُعلم أصحابه ذلك، وتارة خامسة ينـزل (صلى الله عليه وسلم) من على المنبر ليحمل الحسن والحسين رحمة بهما وليعلم المسلمين فضيلة الرفق.
وهكذا فإن هذا الاقتراح ليس بدعًا فى الدين، واستغرب جدا تقاعس المسئولين عن تنفيذ هذ المقترح وإلى متى سنظل بعيدين عن الاستفادة من المنجزات والتطورات والوسائل التكنولوجية الحديثة كالصور الثابتة -غير المحرمة- والرسوم والمجسمات والماكيتات والخرائط ومقاطع الفيديو والصوتيات.. وغيرها من الوسائل المتاحة، والتى قد تستجد مستقبلا، والتى يمكن أن تدعم عرض مفاهيم عقيدتنا، وفقه شريعتنا بصورة تجديدية فى المساجد والمراكز الإسلامية، وبخاصة فى خطبة الجمعة التى يشهدها جمع كبير من المسلمين بصورة منتظم، مع التأكيد على تنفيذ هذه الوسائل بطريقة راقية، بحيث لا تخل بجلال الخطيب والخطبة.
وثمة موضوعات كثيرة جدًّا تحتاج وبشدة إلى استخدام الخرائط والرسوم والجداول ومقاطع الفيديو والصوتيات، فمثلا: نجد أن المستمع لخطبة الجمعة عن شعائر الحج مثلا لا يسعفه تخيل المشاهد والأماكن والشعائر عبر الكلام فقط، ومن ثم لا يتمكن من أداء الحج أو العمرة بطريقة صحيحة بمفرده، أما لو قام خطيب الجمعة المدرب باستخدام الوسائل التكنولوجية فى عرض بعض الصور أو لقطات الفيديو للأماكن التى تتم فيها مناسك الحج، فيكون بذلك قد استطاع أن ينقل المصلين نقلة نوعية، حيث إن هذه اللقطات التى لا تتجاوز الدقائق المعدودات ستكون أجدى وأنفع وأثبت من عشرات الخطب المجردة؛ لأنه ليس من رأى كمن سمع، ومن ثم يستطيع أن يغرس أركان الحج ومناسكه فى عقولهم ووجدانهم، على عكس الكلام النظرى الذى «يتبخر» من الذاكرة سريعا.
برأيك ما الهدف من إدخال التكنولوجيا في الخطاب الديني ؟
الهدف من خطبة الجمعة هو القضاء على ظاهرة اللاوعى المظلم وبث الوعى الدينى المنير، وإثراء الثقافة الإسلامية، وتبصير الناس بأمور دينهم، وتنظيم العلاقات بين الناس وفق ما قرره الله تعالى، والكل يُجمع على أن خُطب الجُمع قد فقدت قدرتها على التأثير، وأمسى الكثير منها غير مؤثر وغير محقق للهدف، كما تتسم بالتكرار الممل والرتابة التى تصرف المصلين عن الاهتمام بها، ومن هنا فإن تعظيم الاستفادة من خطب الجمع بشتى الطرق والوسائط المختلفة التى تحفظ هيبتها وتؤكد عليها من الأهمية بمكان.
فمن حق ديننا علينا أن نبلغه على أفضل وجه، ومن الحكمة والبصيرة أن يكون خطابنا مناسبًا للمدعوين ومؤثرًا فيهم ولن يكون ذلك إلا بالتعاطي مع الواقع، والمواءمة بين الأصالة والمعاصرة، وتجديد الخطاب الديني بصورة علمية منهجية تراعي الأبعاد السابقة، مع الأخذ في الاعتبار أن تطبيق التكنولوجيا في خطبة الجمعة ستقضى على ظاهرة التخبط والعشوائية وعدم التحضير لدى الكثير من الخطباء، وتؤسس فيهم منهجية جديدة وخطابا دينيا جديدا، يستطيعون من خلاله مسايرة العصر، كما أتوقع أن تؤدى الفكرة أيضا إلى تقليل زمن الخطبة بصورة كبيرة. وهكذا فإننا نحتاج إعمال العقل والاجتهاد ومسايرة العصر بأدواته وآلياته، من أجل إبراز عالمية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وإلا فإننا سنعيش خارج التاريخ.
حدثنا عن أهم التجارب التي خضتها لتجديد الخطاب الديني في الغرب؟
خضت تجارب دعوية كثيرة على مدار أكثر من عقدين من الزمان فقد شرفنى الله بها، وقمت بها فى مصر وأستراليا والدنمارك والسويد وهولندا وبلجيكا وإندونيسيا واللوكسمبورج وفرنسا وغيرها من دول العالم، وما قمت به من استخدام وسائل إيضاح مبسطة وبطريقة مهذبة، وأسهمت فى تحقيق الفهم العميق لدى المصلين، تجعلنى أقف وبشدة وراء هذا المقترح لنساير العصر بأدواته وأساليبه بصورة تجديدية، وبما يحقق أهدافنا وغاياتنا فى فهم الإسلام فهمًا جيدًا، وبآليات العصر التى لا تتعارض مع الإسلام وإننى لعلى ثقة كبيرة بأن الله -عز وجل- لو قدر للنبى (صلى الله عليه وسلم) أن يعيش هذا العصر الذى نعيشه الآن؛ لدعا إلى التوسع فى استخدام التكنولوجيا وغيرها من مستحدثات العصر، لتحقيق فهم أرقى وأوضح وأشمل للرسالة الإسلامية، ولتوضيح وتحقيق مقاصدها السامية من خلال خطاب إسلامي جديد ومتجدد.

صدى البلد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى