الأخبار

رمضان يحل في طرابلس زهوا وأحياء

141

بسحر ساحر بدأت تنقلب الحياة في طرابلس عشية رمضان الكريم، يزداد النشاط تحضيرا لاستقبال اليوم الأول، وتشهد الأسواق حركة أفضل من السابق. كل الأسواق في داخل المدينة الفقيرة، وخارجها المتوسط والغني، في حال واحدة من التحضير، يجمعهم هم واحد هو الصوم. وتنتظر المدينة السهرات الرمضانية العامرة بالحركة ككل عام، بينما هي تنام مبكرا، وتفرغ شوارعها من الحركة مع ساعات المساء الأولى في بقية الأيام والمواسم.

في الأمس القريب، كان لرمضان مذاق خاص في طرابلس، بدءا من الاستعدادات لقلب كل ما في المدينة رأسا على عقب، فترتدي حلة جديدة في مختلف شوارعها وأحيائها حيث تشع الانوار من الزينة، وتزدحم الاسواق للتبضع، وتستعد دور العبادة لإقامة الشعائر الدينية والاحتفالات الانشادية، وينتظر الناس لحظة الاعلان عند بدء الشهر المبارك، كما ينتظر الاطفال سماع مدفع الافطار وصوت المسحراتي.
الكثير من المظاهر عشية حلول شهر الصوم عند المسلمين تراجعت الى حد بعيد تحت وطأة التوترات، وارتداداتها فقرا وبؤسا في الكثير من الأحياء، والحارات، والشوارع. كثير من الشوارع تغيب الزينة عنها، وباتت تنحصر في اماكن محددة، وصارت العائلات الفقيرة، وما اكثرها، تنتظر محسنا من هنا او هناك، وبقيت الزحمة في الاسواق ولكن الناس تشتري المهم جدا بسبب عدم توفر الامكانات المالية مع ارتفاع اسعار الخضار والفواكه قليلا. حتى الدعوات للافطارات تدنت، وكذلك الامر بالنسبة للموائد الرمضانية التي كانت تقيمها بعض الجمعيات، والمؤسسات الاجتماعية، والدينية، والسياسية، وصار الوافدون من خارج لبنان يزاحمون فقراء طرابلس على لقمة العيش، وصندوقة المواد الغذائية، والوجبات الساخنة، كما يزاحمونهم على فرص العمل.
أثرت الوقائع الجارية في المنطقة على المدينة في السنوات القليلة الماضية، مما انعكس على عادات رمضانية كانت تشتهر بها المدينة، وابرزها “السكبة” اي تبادل صحون الطعام بين الجيران والاقارب، والتشكيلة الواسعة لانواع الطعام والشراب لم تعد متوفرة بسبب الاوضاع المعيشية الصعبة، وعند بعض العائلات الفقيرة ايضا ستكون الحلويات الرمضانية الغائب الابرز بسبب ضيق الحال، وربما لجأت ربات المنازل الى تحضير انواع بسيطة وغير مكلفة من الحلويات.
عشية رمضان هذا العام، توزع السكان في الأحياء يجمعون حاجاتهم من مأكل ومشرب، منها ما هو خاص بالصوم، كالخضر، ومقومات الشوربة، وبعض العصائر، ومنها العادي اليومي. وازدحمت الأسواق بالمارة، تعج بالسيدات يحملن الأكياس وهن عائدات إلى منازلهن.
الانهماك ظاهر على الجميع، والباعة في فرح فالبيع بدأ يزداد، والاقبال على الشراء يتصاعد. الباعة يعلنون أن الأسعار لا ترتفع، ولم ترتفع، بينما يقول المشترون أن الغلاء بدأ منذ اليوم الأول، والنسبة، بحسب سيدة هي “أم محمد” نلتقيها في سوق الخضر، من 15 الى 20 في المئة عن الأيام العادية، ولا نستغرب أن ترتفع اكثر مع تقدم أيام الشهر”.
في الأحياء الحديثة من المدينة، حيث رخاء، وبحبوحة، لا تهتم العائلات بتأمين الحاجات، فهي سهلة عليهم حتى لو ارتفعت أسعار السلع، ولا يخشون من جوع بعد موعد الافطار. لكن الحال في الأسواق القديمة كارثي، وأحيانا يعجز الانسان عن وصفه على ما ظهر في جولة ميدانية لـ”النهار”.
اول الأماكن كانت “الخانقاه” الواقعة إلى المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس القديمة. موقع أثري هام مملوكي، نادر النوع، لكنه مهمل بامتياز. اتخذت منه بعض الأرامل مأوى، وشغلت عددا من غرفه عائلات، في كل غرفة عائلتان أو أكثر. دخائن من بقايا حرائق تغطي جدران الموقع، خصوصا في الفسحة المرتفعة ٤٠ سنتمترا عن أرضه، مقببة، ومقنطرة تقوم على عمودي رخام تتوجهما تيجان حجر كورنثية. في هذه القبة غرفتان محروقتان، غير مشغولتين. ويسكن “الخانقاه” زهاء عشرين أرملة وعائلة.
الحالة مزرية، مبنى أثري قيم لكنه شديد الاهمال، غرفه صغيرة، حماماته ثلاث لعشرين عائلة. وبانتظار رمضان، لا شيء في أيدي المقيمين، فلا يتحضرون بأية طريقة لرمضان، بانتظار مساعدات خارجية.
إحدى المقيمات جمسة الطحش، قالت:” نعيش حالة مزرية في غرفة صغيرة جدا، وانا عندي 9 اولاد نعيش معا في غرفة واحدة، وعندي بنت مطلقة، وعندها ثلاثة اولاد . نعيش من باب الله . لم نحضر شيئا لرمضان فنحن ننتظر المساعدات الغذائية من المحسنين، وان يتحنن علينا البعض، وزوجي قتل سابقا، وليس لدينا معيل. نعيش حالة صعبة جدا”.
ليلى السقا، قالت :” اعيش مع اخواتي اللواتي يعشن بهذا المكان وعندي بنت وشب، وابنتي تسكن معي، وعندها خمسة اولاد . نحن ننتظر فاعلي الخير، وما يقدمونه لكي نعيش ونأكل . وزوجي هجرني وتزوج وانا اتيت والتجأت مع ولدي الى الخانقاه”.

 

النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى