الأخبار

«أميتها» كادت تلقي بها في السجن

 

89

 

أوقفوا عقارب ساعاتهم ليقف قطار العمر عند سن السابعة، وقت بداية تعلم الأشياء، وتحسّس المواقف، والاطلاع على لغة البشر، بعيداً عن كتب سُطرت فيها معلومات غير ملمين بتفاصيلها، فلا يقدرون على نطق أحرفها أو تقدير معناها، بالكاد يتعرّفون على الحياة من خلال خبرات ارتسمت على تجاعيد وجوههم وتشققات كفوفهم المرتجفة حين تمسك بالقلم والورقة، محاولين رسم ملامح مستقبل سنوات قليلة متبقية فى حياتهم، بالحصول على شهادات تفيد باجتيازهم عهود الظلام إلى رحابة النور. فى صراع مع الزمن، يبدو أنهم، رغم تجاوز أعمارهم الستين بسنوات، لا يلتفتون إلى ما فاتهم، يحاولون عبور جسور العلم بعد أن ارتمت عليهم الحياة بجهلها، ولكل منهم علته، فهذه امرأة فاتها قطار العمر والتعليم، وكانت بالأمس القريب أمّاً ثم جدّة، فبحثت عن عائل من نوع آخر، وكان الكتاب الذى استندت إليه من غدر الدهر بعد انعزال الأبناء عنها، وانطوت على نفسها منغمسة فى عبادات كانت محرومة منها فى ظل أميتها السابقة، وهذا رجل كهل خاض تجارب قاسية مع الجهل، كان رب أسرة يتخبّط فى مشقات الحياة، يتوارى وراء عضلات يستخدمها لكسب الرزق وإنجاب أبناء يكملون المصير نفسه ويتخذون الجهل ميراثاً.

أيام مريرة عاشتها «سماح عبدالهادى» أو «أم إبراهيم» كما تود أن يلقبها البعض، السيدة الخمسينية التى أفلتت من ضياع ما تبقى من عمرها خلف أسوار السجن بأعجوبة، بعد اضطرارها إلى الختم على إيصال أمانة بمبلغ 20 ألف جنيه مقابل سداد قيمة ثلاجة وبوتاجاز دون الاطلاع على فحواه، استغل معها صاحب محل الأجهزة الكهربائية، حاجة السيدة البائسة وقلة حيلتها، علاوة على جهلها: «كنت هاتحبس بسبب جهلى، لولا أولاد الحلال سددوا لى الفاتورة»، لم تشعر بقيمة التعليم إلا بعد أن اجتازت المرحلة الأولى من فصول محو الأمية: «أخدت شهادة، ونفسى أحصل على الابتدائية».

أبناء الحاجة «سماح» دعموها لاتخاذ هذه الخطوة ووصفوها بـ«المتأخرة»، فهم وحدهم من ذاقوا وبال جهلها: «عمرى ما حسستهم بالجهل من ناحيتى»، هكذا تدافع عن نفسها، لكنها ترى العتاب واللوم فى عيونهم: «عشت فى بيت يسكنه 18 عيل، إحنا 9 أشقاء، غير أولاد عمى»، ظروف البيئة التى تعايشت معها سابقاً أجبرتها على الزواج فى سن الـ16 عاماً، والانشغال فى هموم الحياة المتلاحقة.

 

 

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى