الأخبار

كنائس للمسلمين: شكراً لله.. وللقديسة تريزا

140

 

بعيداً عن التصريحات السياسية الرنانة التى تؤكد وحدة مسلمى ومسيحيى مصر، وبعيداً أيضاً عن تلك الصور التى تملأ الجرائد مع اقتراب الأعياد والتى يظهر فيها الشيخ مصافحاً القس مذيلة بعبارة «تعانق الهلال مع الصليب»، يتجمع المسلمون والمسيحيون تحت سقف كنائس واحدة ليس بهدف تقديم التهانى أو التعازى فقط، ولكنهم يشتركون فى إيمان قوى ولد داخل قلوبهم بأن هناك بركة ما تنتظر الزائرين المتشفعين بها، فتلك كنيسة يقال إن مريم العذراء ظهرت فيها، وهذه الأخرى لقديسة كرست حياتها للتعبد والإيمان، يتوافدون عليهم يشعلون الشمع ويطلبون البركة، فهناك فى تلك الكنائس الدين لله وبيوت الرب للجميع.

سياج أمنى أحاط مبنى كنيسة سانت تريزا بشبرا، وهى فى ذلك شأنها شأن بقية الكنائس التى تلقى هذه الأيام حراسة أمنية مشددة استعداداً لاحتفالات العيد، اقتربت دعاء محمد من بوابة الكنيسة الحديدية، ألقت السلام على حراس الكنيسة ثم دخلت، وقفت مرتدية حجابها على رأسها تضىء شمعة وتمتم ببعض الكلمات، بدت وكأنها تطلب شيئاً أو تتلو دعاء، لم تكن تلك هى المرة الأولى التى تأتى فيها «دعاء» إلى الكنيسة، ولكنها زيارة شهرية اعتادت عليها منذ أن كانت فتاة لم يتعد عمرها 14 عاماً، تتذكر المرة الأولى التى جاءت فيها إلى هنا قائلة «كنت بصحبة بعض صديقاتى أثناء خروجنا من المدرسة القريبة من هنا عندما اقترح البعض أن نذهب لنزور الكنيسة التى يعرف عنها أنها تفتح أبوابها للجميع مسلمين ومسيحيين ليأتوا للتبرك بها، شعور غريب تملك من الفتاة الصغيرة فى زيارتها الأولى لتلك الكنيسة التى بنيت عام 1930 للقديسة تريزا وهى أشهر قديسات الكنيسة الكاثوليكية، تقول عنه «إحساس شديد بالراحة والنقاء النفسى.. قررت منذ ذلك الحين ألا أنقطع عن زيارتها حتى بلغت من العمر الآن 39 عاماً».

تتجه «دعاء» بعد ذلك إلى ذلك القبو الذى يوضع فيه تمثال للقديسة تريزا فى صندوق زجاجى، تبدو فيه مستلقية بينما الصليب يميل على قلبها ممسكة إياه بيدها اليسرى، يزين رأسها تاج رفيع من الورد، ذلك التمثال الذى يقبع فى وسط البهو الصغير تحيطه مقاعد خشبية ليجلس عليها زوارها، بينما تزين الحوائط لوحات يعود عمر بعضها إلى الثلاثينات من القرن الماضى أهداها أصحابها للقديسة عرفاناً منهم لمعجزات صنعتها لهم، ولأن زوار «تريزا» من المسلمين والمسيحيين، فإن لوحات الشكر أيضاً جاءت إليها من كليهما، فتلك لوحة مكتوب عليها «شكراً لله وللقديسة تريزا»، وأخرى «شكراً للرب وللقديسة تريزا»، إضافة إلى لوحات من مشاهير الفن والسياسة يشكرونها أيضاً على معجزات فعلتها لهم.

منذ ما يقرب من 14 عاماً جاء نبيل زكى إلى القديسة ليطلب منها أمراً، وعندما تحقق له أخذ على نفسه عهداً بأن يأتى لزيارتها كل يوم ليشكرها على معجزتها له، يجلس الرجل الستينى ممسكاً بسبحة صغيرة يتدلى منها صليب مصنوع من الزجاج يتمتم ببعض تسابيح الدين المسيحى، اعتاد الرجل الستينى على زيارة المسلمين للقديسة للتبرك بها ولطلب معجزاتها، مؤكداً أن الكنيسة لا تعارض فى هذا أبداً بل إنها ترحب بالمسلمين وتكرمهم أثناء زياراتهم، ينظر «زكى» إلى تلك اللوحات المعلقة على جدران البهو ويقول «هؤلاء مسلمون ومسيحيون يشكرون القديسة على معجزاتها معهم حتى إنه لم يعد هناك مكان على الجدران للوحات الجديدة، ثم أشار إلى تلك السبحة التى يتدلى منها الصليب قائلاً «اشتريت حبات السبحة من مسجد الحسين الذى أزوره كثيراً، وهناك حبات أخرى من أراضى الحجاز، يعنى دى سبحة تدل على الوحدة الوطنية» قالها باسماً.

لم يكتف فؤاد محمد بالجلوس على تلك المقاعد المجهزة لزوار القديسة، ولكنه عبر ذلك السياج الصغير الذى يحيط اللوح الزجاجى للتمثال وجلس بجوار القديسة ليكون أقرب إليها، وأخذ يتحدث إليها بصوت منخفض لا يصل لمن حوله، يقول «فؤاد» الذى يأتى لزيارة القديسة مع زوجته وأبنائه، إن قصة زيارته للقديسة بدأت بعد أن عانى مشاكل صحية كبيرة راوده بعدها حلم جاءت له فيه السيدة مريم، منذ ذلك الحين قرر ألا ينقطع عن زيارة القديسة تريزا التى يشعر عندما يتحدث إليها براحة نفسية شديدة وبتحسن صحى أيضاً جعله يحجم عن زيارة الأطباء الذين قال إنهم لا يشعرونه بأى تحسن فى حالته.

«كنيسة السيدة العذراء مريم بالزيتون» أو كما يطلق عليها «كنيسة الظهور»، هى إحدى الكنائس التى يزورها المسلمون أيضاً للتبرك بها، خاصة بعدما أشيع عن أن السيدة مريم العذراء ظهرت على قباب الكنيسة عام 1968، وأعلن حينها قداسة البابا كيرلس السادس أن ظهور العذراء حقيقة، وأن آلاف المواطنين من مختلف الأديان والمذاهب قرروا رؤيتهم لها بالفعل.

داخل الكنيسة التى بنيت عام 1925 أيقونات كثيرة للسيدة العذراء والقديسين، وما إن تطأ قدماك داخل الكنيسة حتى تجد على يمينك 4 أعمدة رخامية فوقها قبة صغيرة يعلوها الصليب بينما تحيط تلك الأعمدة بصورة كبيرة للعذراء داخل لوح زجاجى تبدو فيه محاطة بهالة كبيرة من النور، يتجه كل زوار الكنيسة إليها لإضاءة الشموع والتبرك بها.

«عنواننا بيتنا مفتوح للجميع» هكذا يقول القس يوحنا يسى، مضيفاً «كثير من المسلمين يأتون هنا لزيارة الكنيسة بدافع المحبة القلبية، حتى إنهم بعد أن يشعلوا الشمع أمام صورة السيدة العذراء يقومون بشراء صور لها وميداليات من الكنيسة وبعضهم يقول لى: صلى لنا يا أبونا»، وهذا أمر غير مستغرب بالنسبة للمسيحيين هنا، بل الجميع هنا يعلم طبيعة علاقتنا بالمسلمين جيراننا فى المنطقة حتى إننى أيام ثورة 25 يناير ذهبت بنفسى إلى شيخ مسجد العزيز بالله القريب منا لأشكره على بقائه مستيقظاً طوال الليل لحث الأهالى على عدم النوم وعلى حراسة البيوت والجوامع والكنائس. الأمر ذاته تؤكده إيزيس إبراهيم، وهى من سكان منطقة الزيتون، قائلة «اعتدنا على العلاقات الطيبة بيننا وبين جيراننا المسلمين وهم يأتون إلى الكنيسة ليشاركونا الأفراح والأحزان، كما يأتى البعض خاصة من محافظات الصعيد للتبرك بالكنيسة التى ظهرت بها العذراء وهم دائماً مرحب بهم».

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى