الأخبار

فاطمة قناوي تكتب لـ«التحرير»: عن الحلم الذي كان

117

 

كنت مقررة إني أنزل يوم 25 يناير، الحشد الكبير اللي كان على “فيسبوك”، والسخرية من إننا كمصريين حددنا معاد نثور فيه، والغضب من تردي الأحوال في كل شىء، خلاني أقرر أنزل أيًّا كانت العواقب.

بسبب طبيعة شغلي في مؤسسة حقوقية، كنت أعرف عددًا من الشباب والنشطاء في حركات احتجاجية، قبل 25 يناير بكام يوم، قابلت بنتا في حركة اسمها “شباب من أجل العدالة والحرية”، وادتني رقمها علشان أنسق معاها، ومانزلش لوحدي.

العاشرة صباحًا.. التجمع بميدان الجيزة

المهم، كلّمتها الساعة 10 صباحًا، قالتلي تعالي ميدان الجيزة، روحت هناك مالقتش غير سيارتي أمن مركزي واقفين، ومافيش أي تجمع، بعدين كلمتني، وقالتلي أتمشى لحد مترو الجيزة، ومن هناك اركبي وانزلي محطة البحوث، عملت اللي قالت عليه، بعدين قالتلي خدي مواصلة لحد بولاق، سمعت كلامها، خصوصًا إن فهمت منها إن دي احتياطات أمنية.

[media width=”400″ height=”305″ link=”http://www.youtube.com/watch?v=sJ58mUb8zpk&feature=g-all-xit”]

نزلت بولاق، وقالتلي عدي كوبري المشاة اللي قدامك، وقررت أنا وصاحبتي إن ده آخر مكان هنروحه، ولو طلبت نروح مكان تاني، هناخد بعضنا ونروح عند نقابة الأطباء، خاصة أننا كنا عارفين إن في تجمع هناك.

عديت الكوبري، وعرفت إن المنطقة دي اسمها “ناهيا” -منطقة شعبية نادرًا ما شهدت فعاليات احتجاجية اللي كانت مقتصرة على منطقة وسط البلد- أول ما وصلت أنا وصاحبتي، كان في عدد من الصحفيين الأجانب والمصريين ونشطاء معروفين زي أحمد دومة، وشادي الغزالي وكتير غيرهم، وعرفت إن المظاهرة هتبدأ من هنا، وإنهم اختاروا المنطقة دي على أمل انضمام مواطنين عاديين متضررين بشكل أو بآخر من تردي الأوضاع في مصر.

بداية الانطلاق

بدأت المظاهرة تحديدًا من قدام محل “حلواني الحايس”، بدأت الهتافات تعلو، وكلها تركز على مطالب العيش والحرية، ولاحظت أن قائدي المظاهرات تعمدوا يقعدوا أطول وقت يلفوا في الشارع ذهابًا وإيابًا، وهمّا بيحثوا الناس على المشاركة، خاصة اللي كانوا واقفين يتفرجوا أو اللي فتحوا شبابيك بيوتهم، وبدأنا نهتف (إنزل.. إنزل).

المفاجأة إن في ناس كتير بدأت تنضم للمسيرة من مختلف الأطياف، شباب ونساء وشيوخ، العدد تزايد  للدرجة اللي شجعت ناس إنها تروح تتكلم مع قوة الأمن اللي واقفة أول الكوبري علشان يخلونا نعدي، قعدوا يناوشوا معاهم ويشاورولنا “إجروا”، وفعلاً الناس كلها جريت كأنها بتسابق زمن، العدد الكبير قوّى قلوبنا، لما بقينا فوق الكوبري، بقيت أبص ورايا ألاقي العدد كبير أوي، ده غير العدد اللي قدامنا، شوفت النشطاء المعروفين اللي كانوا بيودوا المسيرة، وهما بيحضنوا بعض فرحًا، مرددين “أخيرًا.. أخيرًا).

وإحنا فوق الكوبري، طلعت الناس من العماير الكبيرة، تلوح لينا بالأعلام، وإشارات التأييد، وناس في الشوارع اللي تحت الكوبري بتهتف معانا، كان المشهد مهيبا وجميلا، وصلنا لشارع جامعة الدول العربية، وبدأ يعلو هتاف “الشعب يريد إسقاط النظام”، وأيضًا هتاف “اللي عايز التغيير، ييجي معانا على التحرير”، والأعداد تتزايد، خاصة بعد أن انضمت إلينا “مسيرة مصطفى محمود”، وتحركنا فى اتجاه الدقي.

كرّ وفرّ

كان فيه شبه كماين أمنية في أكتر من منطقة مرينا عليها، واللي كان بيحصل إن عددا كبيرا من الشباب بيجروا ناحية قوات الأمن في شبه حصار، وباقي المتظاهرين يجروا يعدوا، الأعداد الكبيرة أربكت كل الكماين اللي قابلناها في الطريق، خاصة أن انضمام الناس كان متزايدا وبكل الفئات، لدرجة يصعب إن حد يصنف المظاهرة دي بأنه مُعد ليها مسبقًا، ناس ماشية في الشوارع أو حتى بتخلص مصالح شخصية، فجأة، بتلبي نداء المطالبين بالتغيير، وبينضموا.

في لحظة كنا بنجري علشان نعدي من قوة أمنية، وحسيت بتعب، وبصيت لصاحبتي اللي كانت لابسة “كعب عالي”، وكان باين عليها إنها تعبت، كمان لقينا ست عمرها يعدي الـ60 عامًا بتجري بعزيمة أكتر مني ومنها، ضحكنا وكملنا جري.

النقطة الحاسمة

لما وصلنا عند محطة الأوبرا، القوة الأمنية اللي هناك، حاولت بكل قوتها إنها توقفنا، وماتخليناش نوصل لكوبري قصر النيل، اللي بيفصل بينا والتحرير، بس بردو العدد الكبير اللي أصبح بالآلاف كان مفاجئا لهم جدا، وكالعادة تقدم عدد من الشباب كدروع بيننا وبين قوات الأمن؛ علشان تقدر الأعداد الكبيرة اللي ورا تعدي.

وقبل كوبري قصر النيل بأمتار، جت عربية أمن مركزي، وحاولت تسد الطريق، إلا أن عددا من الشباب بدأ في الخبط على العربية بأيديهم، وحد من الشباب راح لقائد العربية، وقعد يقنعه إن المظاهرة سلمية، والناس هتعدي بأي شكل، وفعلاً عبرنا كوبري قصر النيل إلى ميدان التحرير.

الرابعة عصرًا: مناوشات الأمن المركزي

حوالي الساعة 4 عصرًا، بدأت المناوشات في التحرير بسيارة أمن مركزي، بدأت ترش مياها غزيرة على المتظاهرين، مستغلين إننا كنا في فصل الشتاء، وبعدين الناس حاولوا يقتحموا شارع قصر العيني -اللي فيه مجلس الشعب ووزارة الداخلية- وهناك الأمن تعامل بمنطق الحياة، واستمات علشان الناس ماتقتحمش الشارع، وكمان جاتله إمدادات بأعداد كبيرة، وبدأوا يرموا حجارة علينا، وناس كتير اتصابت، تقريبًا كانت الحجارة عبارة عن بلاط مكسور.

بعد ساعتين من الشد والجذب مع الأمن، بدأ الميدان يهدأ مع تزايد الأعداد القادمة من الناس اللي معظمها سمع عن طريق “فيسبوك” أو بشكل شخصي من الموجودين في الميدان أو من قناة الجزيرة.

بدأت الناس تسأل في ما بينها: وبعدين؟ أكتر الناس تفاؤلاً لم يكن يتوقع ما حدث، بس الاتجاه السائد من ناس كتير إننا هنبات في التحرير، ماحدش كان محدد، وبدأ عدد من الشباب يطوفون الميدان بمانشيتات الجرائد الصادرة مساءً، وكانت معظمها بتتكلم عن مفاجأة 25 يناير، وكان أبرزها “المصري اليوم” وكان المانشيت الرئيسي “إنذار”، وطبعًا الجرائد القومية تجاهلت ما حدث تمامًا.

رغم أن معظم سلوكيات المتظاهرين كانت تميل إلى السلمية، إلا أن النظام كان له رأي آخر، كان التوقع إن فض الاعتصام سيكون الساعة 12 منتصف الليل، ولكن الوقت عدى، وماحصلش حاجة.

12:35 صباحًا.. بداية الفض

في حوالي الساعة 12:35 صباحًا، بدأ الفض بإطلاق كميات غير معقولة من القنابل المسيلة للدموع، والناس بدأت تجري في كل الاتجاهات من الخوف والهلع، خاصة إن في ناس كان معاها أطفال وكبار في السن، وقعت جنبي بمترين قنبلة، وخرّجِت دخان كتير، ولأني ماشوفتش قبل كده قنابل غاز، فماحاولتش أمنع نفسي إني أشم الغاز.

شميت كمية كبيرة من الغاز، وحسيت إني مش قادرة آخد نفسي، مع حرقان شديد في حلقي ووجهي، ودموع غزيرة بدأت تنزل من عيني بشكل لا إرادي، وشوفت الناس بتدي لبعضها بصل ومناديل، عرفت بعدين إن كان عليها خل، بعدين قفلوا كل الشوارع الخارجة من التحرير، إلا شارع واحد تقريبًا، هو شارع محمود بسيوني؛ علشان الناس تخرج منه.

[media width=”400″ height=”305″ link=”http://www.youtube.com/watch?v=HEx9ksYK6QQ&feature=g-all-xit”]

الناس كانت بتجري، خاصة أن كميات قنابل الغاز كانت كبيرة جدا، وبدأ الأمن يطاردنا في الشوارع الجانبية، كنا ماشيين في شارع وفي آخره لاحظنا عربية أمن مركزي واقفة بتقبض على كل حد يوصل عندها، الوقت كان متأخرًا، ومش آمن إني أرجع البيت، فقررنا نروح نبات عند واحدة صديقة صاحبتي في غمرة بعد ما قابلناها في التحرير، وفي البيت عرفت من قناة “الجزيرة”، إن المتظاهرين طلعوا على مبنى ماسبيرو، وأكتر من حتة تانية.

25 يناير 2011، كان يوما فريدا في حياة كل إنسان نزل الشارع، وتظاهر ضد الظلم، لو مُنحت 100 فرصة لكي أعيد حياتي مرة أخرى، هيكون اليوم ده هو الأغلى، وسأتمنى أن أعيده في كل فُرصي للحياة.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى