الأخبار

قصة «الرسالة رقم 1» من معتقل طرة:

17

صُحبة من الموسيقى والجُمل الشعرية هي تلك التي تتبقى في أذهان الناس بمرور الأحداث الجِسام وتقادمها، لكل ثورة شاعر، ومُطرب، وخطيب، و«هتّيف» يُجسِدون مطالبها وأحلامها شعرًا وموسيقا، وشعارات، إن تتبخر خطوات أصحابها، ومسيراتهم، وإنجازاتهم التي حققوها على الأرض، تبقى أشعارهم وموسيقاهُم في الوِجدان.

وبالرغم من أن فِكرة الثورة بمفهومها ولفظها لم تعرِف طريقها للوجدان المصري قبل 25 يناير 2011، إلا أن إرهاصات ثورية سبقت عليها، وبالرغم من التعامُلات الأمنية معها، والتي حالت دون استمرارها أو تطورها لشكل الثورة المتعارف عليه، إلا أنها وجدت من يُخلِدها في موسيقى وجُمل شعرية، ومن بينها ما خلّد الشاعر «أحمد فؤاد نجم» في حق «انتفاضة 18 و19 يناير».

49e91520-bf81-42ec-af6b-295116ffd83c

«كل ما تهِل البشاير، من يناير كُل عام، يدخل النور الزنازِن، يطرُد الخوف والضلام»، بهذه السطور الشعرِية استهل الشاعر أحمد فؤاد نِجم قصيدته عن يناير الأولى، عام 1977، ليس في الخامس والعشرين هذه المرّة، وإنما في الثامن عشر والتاسع عشر، فيما عرفته الصحافة يومها بـ«انتفاضة الحرامية»، وفي أقوال أخرى «انتفاضة الخُبز».

89865-انتفاضة-يناير-3

«سيد مرعي يا سيد بيه، كيلو اللحمة بقى بجنيه»، و «هو بيلبس آخر موضة، واحنا بنسكُن عشرة في أوضة»، في مقدمة عشرات الهتافات العُمالية جاءت هذه الهُتافات تعبيرًا عن رفض إجراءات تقشفية وغلاء أسعار متوقع في الطريق فوق الغلاء الحالي، جاءت هذه الهُتافات لتعُم العديد من المُدن المصرية في الثامن عشر من يناير عام 1977، فيما اعتبره «نجم» في قصيدته «من علامات القيامة» نظرًا لبُعد فكرة الثورة عن العقل الجمعي؛ «يوم تمنتاشر يناير، لما قامت مصر قومة، بعدما ظنوها نومة، تلعن الجوع والمذلّة، والمظالِم والحكومة».

images

في ديوان الأعمال الكاملة للشاعِر أحمد فؤاد النجم، والمنشور عن دار «ميريت» عام 2005، يصف الفاجومي شِعره على أنه «شعر حُر»، وبالرغم من أن الشعر الحُر بالنسبة للنقاد هو «شعر بلا قافية» أو موسيقى شعرية، يعتبره نجم راجع لحُرية الشعر، إلا أن قصيدته الأولى تأتي مُكبّلة بقضبان معتقل طُرة وعنوانها «الرسالة رقم 1 من معتقل طُرة»، وفي الهامش أشار: «دأب نظام السادات على ما أسماه بالضربات الوقائية ضد الوطنيين المصريين، فكانت أجهزة أمنه توجه ضربة شاملة لكل القوى الوطنية مع حلول أول كُل عام، حيث لا يظل خارج أسوار المُعتقلات سوى الكوادر التي لا خطر منها»، وفي نهاية القصيدة زمان ومكان كتابتها «معتقل طُرة – يناير 1977».

 

كان «نجم» ضمن من زُج بهم في المعتقلات والسجون على خلفية انتفاضة 18 و19 يناير، وكانت هذه القصيدة من بنات أفكار معتقل طُرة، وبالرغم من أن الورقة والقلم رُبما كانوا من ممنوعات المُعتقل، إلا أن مُبدعيه دومًا كان لديهِم أفكار للتحايُل وتسجيل إبداعاتهم، أولها جدران المُعتقل، وعلب السجائر، أو حتى الاحتفاظ بالقصائد محفوظة في أذهانهم، أو على ورقة وقلم أهداها شخص مسؤول لسجين ليقدّم التماسًا لرئيس الجمهورية فيعفو عن «الشاعر السليط» كما حدث مع نجم في مرة من مرات اعتقاله، فأخذ ورقة الالتماس وملأها شعرًا.

maxresdefault

«هي دي يا عزّة مصر»، هكذا يذيّل نجم رسالته، أو قصيدته، إلى عزّة، محبوبته خارج القُضبان التي كتب فيها «الغرام في الدم سارح، والهوى، طارح معزّة، والحنين للقرب بارِح، والنوى جارِح، يا عزّة».

جدير بالذكر أن المحكمة كان لها حُكمًا تاريخيًا بقيادة المستشار حكيم منير صليب، بتبرئة متهمي الشغب في انتفاضة 18 و19 يناير، ومن حيثيات البراءة الظريفة «الشاهد الطائر» عقيد مباحث شهد على الأحداث في أكثر من منطقة في نفس الوقت.

 

غنى القصيدة رفيق عُمر الشاعر، الشيخ «إمام عيسى»، غير أن المُفارقة أن نجم شهد على حياة عينه غناء نسخة جديدة من قصيدته غير تلك التي غناها إمام، مع بشرى متجددة من «بشاير» يناير، وقد غناها المُطرب «أحمد سعد» في سياق أحداث فيلم «الفاجومي» الذي جسد سيرة أحمد فؤاد نجم الذاتية وأنتج عام 2011، لتتغير الكلمات من «كل ما تهل البشاير، يوم تمنتاشر يناير» إلى «كل ما تهل البشاير، يوم خمسة وعشرين يناير»، لتوافق البشرى الينارية الجديدة.

 

 

 

المصرى اليوم لايت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى