الأخبار

ناصر نوري بعد تغطية 3 حروب

138

 

 

 

“ما تراه على الواقع، وتدركه عقولنا، ليس بالضرورة أن يكون حقيقيا”.. الفكرة النهائية التي توصل إليها المراسل الحربي عبد الناصر نوري، بعد تغطيته 3 حروب، فتحوّلت الرسائل السامية التي حملها في أول رحلة له بأن يكون “رجل الحقيقة”، إلى إدراك أن الآلة الإعلامية “كذبة كبيرة” تنقل ما تريده المصالح، وأن الصحفي فداء للجميع حتى المؤسسة التابع لها.

 

تحدثت “الوطن” مع صحفي جريدة “البديل” عن تجاربه الحيّة، أثناء عمله لدى وكالة وكاله أنباء الصين الجديدة “شينخوا”، في غزة وليبيا وسوريا، ومدى الاستفادة من دورات السلامة المهنية، والتفرقة بين ما ينقله المراسل وما تبثه القنوات على أنه الحقيقة الكاملة مع أن “حقيقتها عارية”.

القنوات الإعلامية تبث صورا ناقصة لنصرة وجهة نظرها.. والصحفي “فلوس” ولا عزاء للقضايا

 

أين كانت أولى تجاربك في تغطية الحروب؟

 

أول تجربة خضتها كانت في غزة، حيث وضع المقاوم، فهم يدركون وجود عدو اسمه الكيان الصهيوني، لديهم شكل تنظيمي وفهم للخريطة على الأرض، الناس عارفة هي بتعمل إيه وعارفة عدوها مين.

 

كم دولة عربية وإفريقيا غطيت بها الحروب؟

 

3 دول، في 2009 ذهبت إلى غزة، و2011 غطيت في ليبيا، و2012 ذهبت إلى جنوب السودان في آخر فترات الحرب، ولا تحسب أنها تغطية حرب، و2012 كلها في سوريا.

 

هل حصلت على دورات تدريبية خاصة بالتغطية الإعلامية في الأماكن الخطرة قبل السفر؟

أخذت دورة خاصة بالعمل في البيئة الخطرة، حينما كنت أعمل في وكالة أنباء “رويترز” عام 2007، وبالفعل أفادتني كثيرا في الحصول على خبرة كيفية التعامل في الأماكن الخطرة، ولكن يبقى السؤال (هل مثلا الدورة تعفيك من قدرك أنك تتصاب؟).. الإجابة عليه (لا).. أول شيء يجب إدراكه أنك اخترت مهنة ذات مخاطر عالية، وبالطبيعي نحن نعيش حياة لايوجد بها ضمانات، فمن يحاول “تعدية” الشارع معرض للموت.. لازم يكون موجود مساحة الفهم لطبيعة الحياة والكون، بتشتغل وبتحلم مع غياب لضمان تحقيق هذا الحلم، لكن تظل تعمل حتى تصل له.

 

مدى أهمية تدريب السلامة المهنية الذي حصلت عليه؟

لا توجد تنبؤات ع الأرض، فالصحفي يتعلم الإسعافات أولية وكيفية إسعاف زميل له إذا أصيب، أو يشرح لأحد كيف يعالجه إذا أصيب هو، كيف يوقف نزيف، كيف يتعامل مع الأشخاص الغرباء، أن يحرص على عدم التحدث كثيرا حتى لا تفتضح النوايا التي بداخله، لكن القدر واحد، فكنا في ليبيا نتعرض للقذائف في منطقة “مصراته”، ونحن نحتمي بجراج، معرضين لأي قصف، فالتدريب لن يفيدنا حينها.

 

هل تمكنت من نقل الحقيقة كما رأيتها أثناء تجاربك؟

الآلة الإعلامية بتصوّر المراسل الحربي إنه رجل نقل الحقيقة، وبيحاول يوصل صوت أصحاب القضايا، لكن اكتشفت أن ما يقال “كذبة كبيرة”، في النهاية الصحفي يوصل ما يريده أصحاب المؤسسات الرأسمالية والمصالح المسيطرين على الإعلام، الذين بدأوا يتشكلون من بعد منتصف السبعينات، وأنشأوا مدارس فكرية على النمط الغربي، حتى تصبح فكرة هذه المدرسة هي الوحيدة الصحيحة، إذا سرت عليها إذن أنت تتبع المدرسة العالمية في الصحافة، وإذا خالفتها خرجت من الدائرة العالمية، فالإعلام تحوّل إلى سلاح، ويحلم كل مراسل صحفي بما قيل له إنه في النهاية سيكون نجما، والناس تشاهد عمله ويعمل معارض، لكنه يكتشف أنه محاط بسياج، يلعب بداخل ملعب ينقل رؤى أصحاب المصالح.

 

كيف وجدت الوضع في ليبيا وسوريا من خلال تغطيتك؟

في ليبيا كانت فوضى قضيت بها وقتا حتى سقوط معمر القذافي في طرابلس، من المستحيل وصفها بالثورة، وفي سوريا مجموعة أفكار متضاربة، في البداية تكون شعارات الحرية، ثم إزاحة الرئيس، ثم تطبيق الشرعية، وداعش وغيرها من الأفكار المختلطة.

“الأدوات الواقية” تساعد على استهداف الصحفيين

 

ما الفارق بين التجارب التي خضتها، وما مدى الاستفادة منها؟

الطبيعة في غزة متماسكة نوعا ما، وهناك قضية يعملون عليها، فالعقل الجمعي لديهم يصب في بوتقة واحدة، خط المقاومة هناك قادر يحقق نجاح بغض النظر عن نظر الحكومات له، نشأة عقلية المقاومة راسخة، أما الوضع في سوريا فوضوي، فبعضهم لصوص هاربين من سجن، وبعضهم مجرمين، ويقولك “بدنا حرية”، أين الحرية وسط المتطرفين؟. صحفيون كُثر يذهبون إلى سوريا ويعيشون في قلب القضية، ويرجعوا من غير ما يفهموا شيء.. لازم يكون عقل الصحفي واعي، هل الإنسان الموجود أمامي وهو حامل للسلاح يستطيع إصلاح شيء؟، فالقصة ليست صورة لوجه مغطى بالدماء أو أم تحتضن ابنها، ليست عاطفة، لكنها عقل وتساؤل دائم: “هل هذا الوضع قادر على أنه يقوّم دولة؟”.

 

التجارب أثبتت لي إن الإعلام ممكن يتلاعب بالناس وعقولهم، ووضحت مدى خطورة الآلة الإعلامية اللي بنشتغل فيها، على سبيل المثال كنت متعاطفا مع القضية في غزة، رغم أن الإعلام لم يأخذ نفس درجة التعاطف، فنحن حتى الآن لم نقدم شيئا للقضية الفلسطينية.

 

ما المخاطر التي واجهتها أثناء التغطية في الأماكن الخطرة؟

في ليبيا أُصبت برصاصة في ظهري، لكن بسبب الواقي لم تدخل في جسمي، أما في سوريا فالوضع كان مرعبا في عملية الدخول والخروج من الحدود، أنا دخلت من لبنان، كان أخطر مكان دخلته منطقة باب عمرو، لأنه كان في نفق بيعدي الناس لكنه اتدمر.

 

ما التجربة الإعلامية المستفادة؟

من ناحية التجربة الإعلامية، عندما ذهبت إلى منطقة “باب عمرو” وجدت الناس غير مرحبة بما يحدث في سوريا، وترى أنهم ميلشيات لا يعلمون هويتهم، وعندما ذهبت إلى “أدلب” نفسها، اكتشفت كذب قنوات مثل العربية والجزيرة، الداعمين للشكل العام بتصوير فكرة الثورة، فوجدت من يقول أن “أدلب” تحت سيطرة فلان وجدت كل ما تحت السيطرة لا يزيد عن مساحة حي مثل “الزاوية الحمراء والشرابية” من قلب القاهرة كلها، فالمحاصر منطقة اسمها “الحارة الشمالية” وأخرى اسمها “النادي الثقافي” فقط، والدولة مسيطرة على باقي الأنحاء. اكتشفت مدى كذب الإعلام وترويجه، والناس تتحرك وراءه دون وعي، فهو يعتمد على إسقاط معلومات وتخزينها في عقول الناس، على هيئة معلومات يستدعيها وقت الحاجة إليها، فمثلا يأتي بصورة توضح قذف قوات النظام لمناطق عسكرية، ثم يقول إن الجيش الحر يقذف بالصواريخ مواقع القوات النظامية، في حين أنك لو عكست الصورة، لوجدت الجيش الحر يقذف قوات النظام من داخل المناطق السكنية، فحين يرد النظام، يقصف نفس الموقع الذي يُضرب منه، وهو المنطقة السكنية.

 

هل وجدت تطبيقا لمقولة أن “الصحفي دائما مستهدف”؟

بالفعل مستهدف، لأن جميع الأطراف “كاذبة”، بما فيهم الجرائد التي ترسل صحفييها، لأنها إذا وجدت في مقتله تحقيقا لشُهرة أو صيت لها ممكن تستغنى عنه، ممكن تتاجر بيه، ومثال على كده الصحفي ريمي أوشليك، اللي مات في حمص، ومعروف أن منطقة حمص خطيرة، وإن باب عمرو نفسه سيُضرب، وعارفين من عام 1997 أن تليفون “الصورية” يتم التقاطه بسهولة، فلماذا لم تحذره الجهة التي يعمل بها بعدم استخدام هذه النوعية؟.. انقلبت الوسائل الإعلامية إلى “بيزنس” تتم فيه المتاجرة بالصحفيين في حياتهم ومماتهم.

 

على الرغم من السلبيات التي رأيتها.. هل ما زال بإمكانك الاستمرار في التغطية؟

هكمل من أجل توعية للناس، أهم شيء إن لمّا حد يسألني شوفت إيه هناك أقدر أقوله، على الرغم من تنويع مصادر الكذب من خلال القنوات الإعلامية، اللي بتقول شيء، تقول انت عكسه، ووقتها بيكون الرد عليك: “كل دول كذابين وانت الصادق؟!”. فالخطورة تكمن في تجهيز عقل مَن سيسافر، ممكن يكون مصور جريء لكن عقله نفسه جاهز إزاي؟، هل عنده نوع من التحليل النقدي ولا رايح طبقا لأي رؤية أو أي مدرسة فكرية يشتغل على أساسها؟.

 

هل ترتدي الأدوات الواقية أثناء التغطية في تلك الأماكن، وكيف تحصل عليها؟

نستلم الأدوات من المؤسسة أو الوكالة التابعين لها، ولكن لا أرتديها بشكل دائم، لأنها تُسهل من عملية الاستهداف، فمثلا في ليبيا لا يوجد لديهم واقٍ، ولو ارتديته سأكون مميزا، وفي حرب الكونغو مات حوال 64 صحفيا بسبب ارتدائهم للواقي، فكان استهدافهم سهلا، وأحيانا من باب ماذا سيحدث لو أصبنا الذي يرتدي واقي؟ ما مدى مفعوله؟ وبهذا الحس يطلقون على مَن يرتديه النار، والواقي ليس مؤهلا لكل الطلقات، فهو يصد الشظايا في مساحة حتى الطلقة 7.62 *41، أما إذا جاءت أعلى من هذا الرقم تحطم الواقي، أو ممكن يضربوا الصحفي في جنبه زي ما مات لواء كرداسة.

 

هل هناك أشياء أخرى تساهم في استهداف الصحفي؟

من الأشياء التي تودي بحياة الصحفي، مصاحبته لمجموعات غير مدربة، لا يعرفون ماذا تعني الجغرافيا العسكرية، أو كيفية صناعة ساتر للهروب من القناصة، فأغلبهم يكون إما مزارعا أو فلاحا أو نجارا. وهؤلاء الأشخاص من الممكن أن يصنعوا قنبلة من خلال ما شاهدوه على الإنترنت دون امتلاك الخبرة، فتنفجر فيهم وفيمن معهم، أو يسيروا على طريق أسفلت دون أن يستقلوا سيارة مموهة، فيجب الابتعاد عن الصفوف الأمامية خاصة مع الغير مدربين، لأن طريقة انسحابهم تكون خاطئة، ويطلقون النيران أثناء الانسحاب بشكل عشوائي، فيقتلون مَن معهم دون أن يقصدوا.

 

ما النصائح التي توجهها لأي مراسل حربي يخوض التجربة لأول مرة؟

يجب أن يعرف تجارب من سبقوه، ودراسة ما يحدث على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال، الصراع في سوريا تحول لصراع مادي، فالصحفي هناك “شوال فلوس”، يجب أن يمتلك أموالا كثيرة حتى يكون معه ميليشيا أو فرقة مسلحة تحميه.. الحرب أصبحت ربحية في سوريا.. في أول 2012 كان فيه 2 بريطانين من أصل جزائري، الدليل نفسه قتلهم، كان بيخونهم وقال عنهم إنهم شبيحة النظام وسرقهم للبحث عن المادة.. الموضوع بالنسبة لهم لم يعد قضية، وقتما عبرت الحدود من تركيا لسوريا تكلفت 100 دولار، أما الآن فالعبور يكلف 1500 دولار.

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى