الأخبار

البشير.. البحث عن بطولة فى الوقت الضائع

لا يزال الرئيس السودانى عمر البشير، يتحرش بمصر لفظيًا، لكن آخر هجوم له على مصر لا يبدو منطقيًا ولو حتى بحسابات ألاعيب السياسة أو معادلاتها المعقدة.

الرئيس السودانى إخوانى الجذور والهوى، فاجأ الجميع، بالهجوم على أحد الأجهزة الأمنية المصرية، بزعم أنها تدعم وتأوى معارضين لحكمه، ثم لوح باللجوء إلى مجلس الأمن، لحل النزاع حول مثلث حلايب، مدعيًا سودانيته، وهو الذى لم يمض سوى القليل على لقائه الرئيس عبد الفتاح السيسى على هامش اجتماعات القمة الإفريقية بأديس أبابا، حين اتفقا على “ألا تعوق بعض القضايا العالقة البلدين، تمتين العلاقة بينهما”.

إدلاء البشير بتلك التصريحات فى قناة فضائية سعودية، يمكن تأويله كانعكاس للتوتر القائم حاليًا على أشده بين القاهرة والرياض، أو من باب الاستهلاك السياسى من جانب البشير للتغطية على مشاكله الداخلية أو جراء عتب القاهرة عليه لاحتضان بلاده قيادات إخوانية هاربة، بدليل أنه شدد على متانة العلاقة الشخصية مع الرئيس السيسى، قبل أن يحصر الخلاف مع مصر فى نظامها الحاكم بعيدًا عن شخص رأسه.

لكن وبالتسليم بصحة أى من الفرضيات السابقة، كسبب مرجعى لتصريحات البشير المثيرة للجدل، وهى بالمناسبة ليست بجديدة، وإنما متكررة من حين لآخر، فإن توقيتها يمنح دلالة على تشويش ما، لدى شخص القيادة فى الخرطوم، حتى إنها لا تتمالك أعصابها، ولا توائم، ولا تمنح الفرصة للمسارات التفاوضية.

وعمومًا وإذا أردت أن تقف على أسباب فشل الإخوان سياسيًا ومنهجيًا وكذا فكريًا فى حكم مصر، بعد نحو عام فقط من استحواذهم على كرسى السلطة (2012/ 2013)، فلا عليك إلا التنقيب فى تجربة الإسلاميين “من ذوى الجذور الإخوانية بطبيعة الحال” فى حكم السودان منذ العام 1989، التى بدأت مدعومة بانقلاب عسكرى كان بطله حسن الترابى فى الظل وعمر البشير فى العلن، وانتهت بتقسيم البلاد على يد الأخير لدولتين، مسلمة فى الشمال، ومسيحية فى الجنوب، مرورًا بسنوات من الدم، والقمع، وانتهاكات حقوق الإنسان باسم تطبيق الشريعة، والاقتتال الأهلى الداخلى، والاضطرابات السياسية، والدعاوى الانفصالية التى لا تنتهى، فى عدة أقاليم ومناطق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، دارفور.

إن من يطلع على كتاب “عندما يحكم الإسلام السياسى.. حالة السودان”، من تأليف الكاتب والمفكر السودانى المعروف، الدكتور حيدر إبراهيم على، والمنشور ضمن سلسلة قضايا الإصلاح، الصادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، قبل 15 يومًا فقط من الخروج الكبير للمصريين ضد “دولة المرشد”، فى 30 يونيو 2013، لن يحتاج لمجهود يذكر حتى يضع يده على أسباب انهيار النظام الإخوانى فى مصر، التى تكاد تنطبق على أسباب فشل إسلاميى السودان فى الحكم، وكأن الأول قد صار على نفس كتالوج أبناء جنوب الوادى فى السقوط والتعثر، بالحرف والكلمة.

وتمامًا كشقيقتها الإخوانية المصرية، لا تُعد الحركة الإسلامية السودانية تنظيمًا محليًا أو قطريًا مستقلًا بذاته، بل هى جزء من تنظيم عالمى له مرجعية فكرية عابرة للحدود زمانًا ومكانًا.

بالاستراتيجية ذاتها، التى استخدمها المعزول وإخوانه فى مصر، ساق الإسلاميون بالسودان بقيادة البشير الكثير من المبررات الواهية لتبرير انقلابهم على الديمقراطية والنظام البرلمانى، تحت مزاعم أن القوى السياسية التقليدية صارت عاجزة وشاخت، وفشل النخب الحاكمة المتتالية، وفساد الأحزاب السياسية، وقبل هذا وذاك أن الغرب لن يقبل بوصول الإسلاميين إلى السلطة بالطرق الديمقراطية، مثلما حدث فى الجزائر حينما تدخل الجيش وحل البرلمان بمباركة غربية. لكنهم تناسوا أن الغرب نفسه تغاضى عن وصولهم لكرسى الحكم فى الخرطوم من فوق الدبابات، بحسب حيدر إبراهيم على.

فى السودان وفى ظل البشير لم يعد الحديث عن تداول السلطة، بل عن “التمكين”، استنادًا للآية الكريمة “الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور”. ومن ثم تسارعت وتيرة أسلمة الدولة والمؤسسات، بالتزامن مع عمليات إقصاء لغير المسلمين، وربما للمسلمين من غير المتعاطفين، تحت دعوى التطهير والصالح العام.

حيدر إبراهيم على يقطع بأنه فى ظل تراكم الأخطاء والسلبيات والإخفاقات، وجد الإسلاميون وعلى رأسهم البشير صعوبة فى ممارسة النقد الذاتى، وإذا كان الإخوان، سواء فى مصر أو تونس، قد حاولوا مرارًا التنصل من جرائم إسلاميى الجنوب فى السلطة، إلا أنهم لم يمنعوا رموزهم من الإشادة بنموذج الحكم الإسلامى بالسودان.

ومن بين المهتمين بتحليل شخصية البشير سياسيًا ونفسيًا، الكاتب والمعارض السودانى، أكرم إبراهيم البكرى، حيث ذهب فى رؤية شهيرة منشورة له فى هذا الشأن، إلى أن “شخصية المشير البشير ليست كاريزمية أو قيادية، وحياته ليست بها الكثير من المواقف التى تصقل الإنسان أو تفرز شخصية قوية قادرة على اتخاذ القرار، هذا بالإضافة إلى أنه شخصية غير عاطفية إطلاقًا”، على حد قوله.

فى رأى أكرم إبراهيم البكرى، أن إحدى السمات الأساسيه للبشير “كرهها للنقد”، كما أنه “يختزل كل الوطن فى شخصيته”، و”يعزى أى إخفاق أو مناهضة لنظامه بالمؤامرة الخارجية، واستهداف مباشر له ولفكرته الرائجة والدائمة لتطبيق شرع الله”.

وفى موضوع آخر يقول “يعتقد أن الكل يريد النيل منه، وكل العالم يحسده، ويحيك المؤامرات ليل نهار ضده.. لديه شعور دائم بأنه مهدد وهناك أعداء يتربصون به”.

 

مبتدا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى