الأخبار

خريطة مصر الجديدة

212 213

 

 

حَظِيت مسألة إعادة النظر فى خريطة التقسيم الإدارى لمصر اهتماما بالغا على مدار السنوات الماضية، إذ شهدت عديدا من التدخلات لإجراء تعديلات على حدود المحافظات والأقاليم المختلفة للبلاد، وكانت تلك التعديلات غالبا ما تثير موجات من ردود الأفعال المثيرة للجدل حول مدى اتساقها مع كل من المتطلبات التنموية من جهة، والاعتبارات السياسية وأحيانا الأمنية من جهة أخرى. ومن الجدير بالذكر أنه من المتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة قيام حكومة إبراهيم محلب بالإعلان عن ملامح مشروعها لإعادة التقسيم الإدارى للبلاد، وهو ما يعيد هذه القضية إلى دائرة الضوء مرة أخرى، بحيث يصبح من المشروع أن يتم طرح عديد من التساؤلات من قبيل: هل هناك حاجة لإعادة النظر فى التقسيم الإدارى للبلاد؟ ما طبيعة الخبرات السابقة فى هذا السياق؟ ما موقع تلك القضية على أجندة القيادة السياسية الحالية للبلاد؟ ما أهم القضايا المرتبطة بتك المسألة وما محدداتها؟

الجمهورية سيتم تقسيمها إلى 33 محافظة.. على أن تكون وسط سيناء والعلمين والواحات وسيوة محافظات مستقلة

الوادى الجديد ومطروح والبحر الأحمر.. أكبر المساحات الجغرافية رغم قلة سكانها

الحاجة لإعادة النظر فى التقسيم الإدارى

تتكوَّن مصر إداريا فى الوقت الحالى من 28 محافظة، تتوزَّع على 7 أقاليم تخطيطية، هى: القاهرة الكبرى، والإسكندرية، ومرسى مطروح، وقناة السويس، وشمال ووسط وجنوب سيناء، والبحر الأحمر. ووفق قطاع عريض من الخبراء هناك حاجة ماسّة لإعادة هيكلة الحدود الإدارية بين المحافظات، انطلاقا من أن التقسيم الإدارى هو أحد عناصر التنمية، وبهدف تحقيق التوازن المفقود فى الموارد والإمكانيات والقدرات بين أقاليم مصر ومحافظاتها.

وبالنظر إلى خريطة التقسيم الإدارى الجغرافى لوحدات الإدارة المحلية فى مصر يتضح وجود عدد من المثالب، منها على سبيل المثال:

■ غالبية المحافظات محصورة وليست لديها ظهير صحراوى، مما يغلق أمامها فرص التمكين واللامركزية المحلية المجتمعية والتنمية المتنوعة التى تتوافر بالظهير الصحراوى الذى يستأثر به بعض المحافظات القليلة غير القادرة على استغلاله لقلة عدد سكانها ولكبر مساحة ظهيرها الصحراوى عن احتياجات التنمية للمقيمين بها، الأمر الذى كان يطرح بعض مشكلات العدالة والتوزيع على المستوى القومى.

■ تستأثر 3 محافظات حدودية بالقدر الأكبر من المساحة الجغرافية رغم قلة عدد سكانها، وهى: محافظة الوادى الجديد ومطروح والبحر الأحمر.

■ انحصار الحدود البحرية وحدود الجوار بالدول المجاورة عن غالبية المحافظات، وبالتالى تدنِّى مستويات التنمية البحرية ومشروعات التنمية التى تعتمد على التكامل الاقتصادى لسكان هذه المحافظات مع الدول الأخرى.

■ تآكل الرقعة الزراعية بالغالبية العظمى من المحافظات لانغلاق حدودها عن الظهير الصحراوى، وبالتالى عدم تمكن المجتمع المحلى من التوسع الأفقى، وتركّز السكان والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية فى حيِّز ضيق من المساحة الكلية لجمهورية مصر العربية، الأمر الذى أضرّ تماما بالرقعة المنزرعة، وما ترتب عليه من الاعتماد على الخارج فى الغذاء.

■ وقوع أكثر من 90% من المدن المصرية فى الأراضى الزراعية، مما يعود بالخسارة القومية الفادحة من جراء تغيير استعمالات الأراضى الزراعية، ودخولها ضمن الكتلة العمرانية للمدن.

الخبرات السابقة لإعادة التقسيم الإدارى للمحافظات

تتباين التقديرات حول التعديلات التى أُجريت على خارطة التقسيم الإدارى على مدار السنوات المنتهية، بيد أن المتابعات تشير إلى أنه قد تم إجراء نحو 15 تعديلا على حدود محافظات مصر الحالية، ويرى كثيرون أن هذه التعديلات غالبا ما كانت تتم وسط غياب أى رؤية متكاملة، وتكون غير مستندة إلى وجود معايير علمية وقانونية للتقسيم الإدارى والحدود الجغرافية لوحدات الإدارة المحلية بمختلف مسمّياتها «محافظات، مدن… إلخ»، وإن كان الأمر يخضع إلى السلطة التقديرية التى لا تستند إلى ضوابط محددة وتخضع لعوامل سياسية، كضغوط الناخبين على الحكومة فى أثناء الانتخابات، والاستفتاءات لتقسيم أحياء قائمة إلى عدد أكبر، أو تحويل قرى تضخّمت إلى مدن، أو لمحض عوامل أمنية، وغيرها.

ويمكن القول بأن أبرز محطات تعديل حدود المحافظات المصرية خلال السنوات الماضية قد جاءت فى عام 2008 على يد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، الذى عدَّل الحدود الإدارية للمحافظات، باستحداث محافظتَى حلوان و6 أكتوبر، وهو ما فسَّره المتابعون وقتها برغبته فى تسهيل قيد الناخبين فى قوائم الانتخابات، وقد أثارت هذه التجربة عديدا من النقاط المثيرة للجدل من قبيل كون المحافظات الجديدة التى تم إنشاؤها تمتد إلى مساحات شاسعة، وتضمّ مجموعة غير متناسقة من الأحياء العشوائية والمدن الجديدة.

كما أثار قرار إنشاء محافظة حلوان إشكالية بشأن الوضع الدستورى للمحكمة الدستورية العليا، حيث ينصّ الدستور على أن يكون مقرها محافظة القاهرة، بينما نصّ التقسيم الإدارى الجديد على تبعيتها لمحافظة حلوان، وهو الأمر الذى دفع مبارك إلى إصدار قرار سريع، يقضى بأن تكون المنطقة التى تقع فيها المحكمة تابعة إداريا إلى محافظة القاهرة. كما وجَّهت انتقادات أخرى للتقسيم الإدارى الأخير كونه لم يُراعِ البعد الجغرافى من جهة، والبعد الاجتماعى من جهة ثانية، والأمنى من جهة ثالثة، وهو ما وضح قبل تعديل القرار، حيث تبع مركزا الصف وأطفيح محافظة الفيوم التى تبعد ما يقرب من 180 كم من محافظة الفيوم، الأمر الذى كان من شأنه أن يفرض على جهات الأمن أعباء كبيرة.

لذا كان من الطبيعى أن يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة وخلال إدارته لشؤون البلاد -خلال الفترة الانتقالية الأولى التى أعقبت ثورة 25 يناير 2011- بالبحث فى قرار إلغاء المحافظتين، دون أن يبتّ فى الأمر بشكل قاطع، ثم يقرّر الرئيس المعزول محمد مرسى إعادة حلوان إلى القاهرة، والإبقاء على محافظة 6 أكتوبر.

محورية هذه القضية على أجندة مؤسسة الرئاسة

شغلت هذه القضية مساحة كبيرة من الملامح الاقتصادية للبرنامج الانتخابى للرئيس عبد الفتاح السيسى، حيث أشار صراحة إلى نيته إعادة تغيير الحدود الإدارية للمحافظات لإضافة ظهير صحراوى إلى كل منها، حيث أوضح السيسى أن مشروعه يتضمَّن إنشاء 22 مدينة صناعات تعدينية فى الظهير الصحراوى لسيناء، و8 مطارات جديدة لتسهيل حركة التنقل إلى المدن الجديدة، وتوصيل المياه لاستصلاح 4 ملايين فدان، تبلغ فيها تكلفة استصلاح الفدان الواحد نحو 300 ألف جنيه، حسب تقديرات الخبراء، لتصل معدلات إنتاجه إلى 8 أضعاف الإنتاج الحالى، بجانب مشروعات للسياحة والتعدين والاستزراع السمكى، كما يستهدف السيسى -حسب ما طرحه فى حواراته- زيادة محافظات مصر إلى 33 محافظة، مع ضمان وجود منفذ بحرى لمحافظات سوهاج وأسيوط وقنا على البحر الأحمر.

ومن شأن هذه الفكرة تغيير الخريطة الداخلية للبلاد، والقضاء على نسبة كبيرة جدا من المشكلات، بالعمل على تغيير الخريطة العمرانية فى مصر، حيث سيكون لكل محافظة امتداد صحراوى، وامتداد على ساحل البحر الأحمر، كما سيكون لمحافظات الصعيد عمق نحو 35 كيلومترا فى البحر الأحمر، مضيفا أن هذا الامتداد الصحراوى سيمكِّن الدولة من إقامة مصانع ومجتمعات عمرانية جديدة تساعد على تطور الاقتصاد.

ومن المتوقَّع أن يتم خلال الأسابيع القادمة الإعلان عن رؤية متكاملة لمقترح المشروع المقدَّم لإجراء التعديلات الحدودية، لضمان تقسيم مصر إلى 33 محافظة، على أن تكون سيناء 3 محافظات «شمال، ووسط، وجنوب»، بالإضافة إلى محافظات جديدة يتم إدراجها لأول مرة، وهى: العلمين والواحات وسيوة، إذ أعلن عادل لبيب، وزير التنمية المحلية، أن التغيير سيشمل من 7 إلى 9 محافظات، كما أن هناك نقاشا حاليا حول إضافة من 3 إلى 6 محافظات جديدة، مؤكدا أنه سيتم طرح الخريطة الجديدة لحوار مجتمعى قبل إقرارها.

محددات يجب وضعها فى الاعتبار

ترتبط مسألة إعادة النظر فى التقسيم الإدارى للبلاد بعدد من القضايا المحورية التى تُشكِّل أهم المحددات التى يجب أن تؤثر على قرار صانع السياسة فى هذا السياق، ولعل أبرزها:

■ تحقيق العدالة فى توزيع الموارد والثروات: فهناك خلل كبير فى توزيع الثروات الطبيعية بين المحافظات، فقد حرمت محافظات الصعيد من أن يكون لها واجهة على البحر الأحمر برغم قربها الكبير منه، وفى المقابل استأثرت محافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء بالمدن السياحية «الغردقة – شرم الشيخ – مرسى علم»، ومن ثمَّ تهتم أطروحات إعادة التقسيم الإدارى للبلاد بضرورة أن تكون لمحافظات الصعيد، مثل: أسوان وقنا وسوهاج وأسيوط والمنيا وبنى سويف شواطئ على البحر الأحمر. لا بد أن يكون للمحافظات الحبيسة وسط الدلتا امتدادات كبيرة فى الصحراء الغربية.

كيف ستتعامل الدولة مع سكان المدن والقرى بين حدود المحافظات؟

■ العاصمة الإدارية الجديدة: تجدر الإشارة إلى أن هناك عديدا من المبادرات السابقة لتفريغ القاهرة من الوزارات، وتم أكثر من مرة اختيار بعض المواقع ولم تدخل حيز التنفيذ. وإجمالا يرى المراقبون أنه يجب النظر إلى هذه الخطوة باعتبارها مشروعا تنمويا، يهدف إلى خلق بيئة عمل متكاملة، حديثة، عالية التقنية، مخدومة ببنية أساسية عالية الجودة تعمل على جذب رؤوس الأموال والشركات العالمية للوجود بالمكان، كما تعمل على إتاحة الفرصة لتفريغ القاهرة من التكدس الناتج عن حركة العاملين بالوزارات والجهات الحكومية، ومن ثمَّ تصبح القاهرة العاصمة التراثية والثقافية والتاريخية للبلاد.

فى هذا السياق، يأتى الطرح الذى قدَّمه الرئيس عبد الفتاح السيسى بنقل العاصمة الإدارية والسياسية للدولة المصرية من القاهرة إلى صحراء العين السخنة على الأراضى التابعة إلى هيئة المجتمعات العمرانية، وذلك بعد مدّ محافظة القاهرة شرقا حتى خليج السويس. ومن المخطط أن توفر العاصمة الإدارية الجديدة المساحات اللازمة لوجود الوزارات المختلفة ومجلس الوزراء، بالإضافة إلى حى دبلوماسى للسفارات، ومقار للشركات والمؤسسات الدولية الكبرى، ومراكز للمال والأعمال، ومناطق للمعارض، ومنطقة سكنية، ومجمعات تكنولوجية، وعدد من الجامعات والفنادق الكبرى، كل ذلك فى إطار من التخطيط البيئى المستدام الذى يراعى الأبعاد البيئية، واستخدام أفضل الممارسات البيئية فى الإمداد بالطاقة والبنية الأساسية.

■ إضافة محافظة جديدة لشبه جزيرة سيناء: تنقسم شبه جزيرة سيناء وفق التقسيم الحالى إلى محافظتين شمالية وجنوبية، ويقترح كثيرون أن تتم إعادة تقسيمها، بحيث يتم إنشاء محافظة وسط سيناء، وهى محافظة الثلث الخالى ومحورها الأساسى طريق الحج القديم ومنها إلى مدينة «أم الرشراش» -طابا حاليا- ويمكن إحياء هذه المنطقة سياحيا وتاريخيا، وتحويل أماكن سكن الحجاج إلى مزار سياحى، بالإضافة إلى أن هذه المنطقة غنية بالعناصر المعدنية، والتى يمكن الاعتماد عليها صناعيا، وتوافر المواد الخام يجعلها محافظة كاملة.

■ إقامة ظهير صحراوى للمحافظات: يرى الخبراء أنه قد حان الوقت لتجاوز واحد من أهم الثوابت التى حكمت التقسيم الإدارى لمصر خلال السنوات الماضية، وهى الاعتقاد بأن الصحارى هى درع واقية للوادى، إذ تثبت الأحداث خلال السنوات الماضية أنه يجب أن نحيى الأطراف بعد أن أصبحت بابا لتهريب السلاح والمخدرات، وذلك لأنها «هشَّة سكانيا»، وزيادة كثافة السكان بها يمنع العصابات والإرهابيين من التفكير فى استغلالها لأهدافهم. كما أن مناطق الأطراف الحدودية غير مستغلة، ولم نكتشف مواردها حتى الآن.

■ خاتمة

لا تزال ملامح المشروع المتوقع لإعادة التقسيم الإدارى للبلاد لم تتضح بعدُ، بيد أن أى مشروع يجب -وفق رؤى المتخصصين- أن يعمل على تحقيق مجموعة من الأهداف منها: زيادة رقعة المعمور المصرى – إعادة هيكلة التوزيع السكانى – إعادة التوزيع المكانى للمشروعات والمؤسسات – تفعيل دور التخطيط الإقليمى فى التنمية – تحقيق اللامركزية والتوجه نحو التنمية المحلية – تعمير الصحارى المصرية – تدعيم وتقوية الأمن القومى فى الأطراف المصرية – وضع سيناء فى مقدمة الاهتمام التنموى – حماية الأراضى الزراعية فى الوادى والدلتا من البناء – يكون ضمن مشروع قومى لمصر يستهدف تفعيل دور التخطيط الإقليمى كحلقة وصل بين التخطيط القومى والمحلى – تحديد العلاقة بين السلطة المركزية من جهة والأقاليم التخطيطية والمحافظات من جهة أخرى.

أخيرا.. يجب على صانع القرار أن يضع فى حسبانه المشكلات والمعضلات التى يمكن أن تترتب على تغيير الخارطة الإدارية للبلاد، فعلى سبيل المثال تثير مسألة إعادة تقسيم شبه جزيرة سيناء فكرة ضرورة إعادة النظر فى بنود اتفاقية السلام مع إسرائيل، من ناحية أخرى، كيف ستتعامل الدولة مع سكان بعض المحافظات ممن رفضوا حتى الآن فكرة إعادة ترسيم المحافظات، سواء لأسباب اقتصادية أو لأسباب تاريخية، إذ إن هناك ضرورة لمراعاة الصراع بين المراكز الواقعة على أطراف حدود المحافظات، مما يجعلها الأقرب إلى محافظات أخرى مجاورة، مثل التوفيقية فى البحيرة وهى قريبة إلى الغربية، ومطوبس فى كفر الشيخ وهى الأقرب إلى الإسكندرية، ولذلك يجب نقل التبعية خلال استطلاع رأى أهالى هذه المراكز، لأن مدينة الحمام رفض سكانها الانضمام إلى الإسكندرية، وهى الأقرب لهم إداريا، وفضَّلوا البقاء تابعين إلى محافظة مطروح لظروف قبلية وعائلية.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى