الأخبار

لن يستطيع معنا صبرًا

9

 

 

نظريا، تنتهى اليوم المرحلة الانتقالية الثالثة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، لتدخل مصر من الغد، رسميا، مرحلة جديدة نتمناها ألا تكون انتقالية أيضا، فخلال ما يقرب من ٣٥ شهرا، عاشت مصر والمصريون، أوقاتا مجهدة وفترات عصيبة، كانت فيها الانكسارات، للأسف الشديد، أكثر بكثير من الانتصارات، كانت فيها الخسائر الاقتصادية جمة وهائلة ولا يمكن تصورها، كانت الدولة المستقرة، تاريخيا، أقرب للفوضى، المخاطر كانت حاضرة طوال الوقت، والخطر صار لصيقا بأيامنا، ٣٥ شهرا، أزهقت فيها أرواح الآلاف.. وهذه كانت خسارتنا وطامتنا الكبرى، والتى أعتقد أننا لم نستوعبها حتى الآن، هذه الأعداد الهائلة من الأرواح التى ذهبت دون أسباب مفهومة، وبلا مبرر تقريبا، هى مأزقنا الحقيقى، وجرحنا الخاص الذى لم نداوه حتى الآن، شهداء فى كل مكان دون أن نكون فى حاجة إلى ذلك حقا، خاصة أن ثورة الخامس والعشرين ثورة سلمية بامتياز من لخظة إنطلاقها إلى لحظة انتصارها برحيل نظام مبارك، فلماذا كانت الحاجة والشهوة للدماء والتى لم تتوقف حتى الآن، لماذا دفعنا ثمنا لم يكن مطلوبا منا أبدا، ومن يتحمل مسئولية هذا الدم وهذا الجرم؟ وهل معنى كل ذلك أن الثورة فاشلة، وأننا نعود اليوم ــ كما يقولون ــ عود على بدء؟

بنهاية المرحلة الانتقالية الثالثة، علينا أن ندرك جيدا، رغم كل ما أصابنا من خسائر، مع التقدير والتقديس الكاملين لخسائر الأرواح التى لا تماثلها أى خسارة، أن الثورة نجحت تماما فى تغيير مصر، ولا يمكن الاستسلام أبدا لفكرة أن مصر عادت للماضى، أو أن سياسات الماضى عائدة إلى آخر ذلك من تنويعات، و«تنويحات» أحيانا، إن جاز التعبير، الثورة غيرت وجه مصر من نظام مستبد، إلى نظام يتطلع للحرية والعدالة الاجتماعية، صحيح أن الارتباكات كانت هائلة، وكذلك الارتدادات، لكن فى المجمل، لن يعود الماضى أبدا، صحيح أن الثورة لم تحقق أهدافها، لكنها أعلنت فى ذات الوقت أنها لن تتنازل عن هذه الأهداف، وبالتالى فإن فكرة أن النظام البائد هو الذى سيحكم، هى فكرة بائدة فى حد ذاتها، لأن مصر تغيرت فعلا، رغم كل ما نراه من مشاهد تنتمى للماضى، أو ما نصطدم به من أحداث وقرارات تبدو أنها من خيالات الحزب الوطنى، مصر تغيرت وهذا ما يجب أن نراهن عليه وندفع به فى اتجاه استكمال عملية التغيير.

ومصر تنهى مرحلتها الانتقالية الثالثة، عليها أن تعى أن جماهير هذا الشعب التى ثارت أكثر من مرة خلال الشهور الخمسة والثلاثين الماضية، وامتثلت سبع مرات للذهاب للصناديق، لم تحصد شيئا حقيقيا حتى هذه اللحظة من الوعود التى أطلقها الجميع، ولم يفوا بها، فقد كانت السلطة والصراع عليها الهدف الذى شغل جميع القوى السياسية، التى لم يتورع معظمها عن التضحية بالجماهير من أجل أهدافهم الرخيصة، وما بين أهداف الثورة، وتحقيق مطالب الشعب التى تم دهسها، على النظام الجديد أن يقف فى هذه المساحة، فلا أعتقد أن الجماهير لديها المزيد من الصبر على العبث بمقدراتها، وليس من نافلة القول أبدا، أن ذلك ينسحب أيضا على من يعتقدون أنهم يبعثون ثورة من مرقدها، فلم يكونوا يوما من أهل الثورات، عليهم أن يرحموا هذا الشعب حتى يرحمهم.

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى