الأخبار

إسبانيا تقلد إبراهيم عوض وسام «إيزابيل لا كاتوليكا»

قلد السفير الإسباني بالقاهرة، رامون خيل كاساريس، الدكتور إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية والكاتب في جريدة الشروق، وسام “إيزابيل لا كاتوليكا” فئة الضابط “Cruz de Oficial” باسم ملك إسبانيا فيليب السادس، الأسبوع الماضي.

وقال السفير كاساريس -في كلمته خلال الحفل الذي أقامته السفارة بمقرها في الزمالك، بحضور لفيف من الوزراء والسفراء والأكاديميين- إن الدكتور إبراهيم عوض صديق لإسبانيا يحظى بمكانة متميزة، وأن هذا الوسام أطلقه ملك إسبانيا الراحل فيرناندو السابع منذ أكثر من 200 عام؛ لتكريم الشخصيات المتميزة من مواطني إسبانيا أو الدول الصديقة، الذين ساهموا في تعزيز علاقة إسبانيا مع المجتمع الدولي.

وأضاف السفير كاساريس أن عوض يتمتع بمكانة متميزة وخاصة لدى إسبانيا، متابعا أنه “يعرف إسبانيا ربما أفضل مني”، حيث قضى جزءًا من طفولته في مدريد، وتلقى تعليمه خلال مرحلة الصبا هناك بينما كان والده يعمل في السفارة المصرية بإسبانيا.

وتابع كاساريس: “لقد أصبح عوض إسبانيّا للغاية، وتعلم لعب كرة القدم، لدرجة أن زملائه كانوا يسمونه (بوشكاش)، وبصفتي من مشجعي ريال مدريد المتعصبين، لا أجد مبررا لأشرح ما كان يمثله بوشكاش!”.

ومضى قائلا إنه بعد بضع سنوات شهد إبراهيم عوض أثناء عمله مع جامعة الدول العربية في مدريد لحظة مهمة من تاريخنا الحديث، وهي السنوات بين عامي 1974 و1976، فبعد وفاة الجنرال فرانشيسكو فرانكو في عام 1975 بدأت (عملية) وضع أسس إسبانيا الحديثة.

واستطرد: “لقد كتب إبراهيم عن إسبانيا وشرحها لكثير من المصريين وللعالم العربي، مثلما فعل الأمر ذاته عن مصر والعالم العربي لكثير من قادة إسبانيا الناشئة الجديدة”.

ولفت السفير الإسباني النظر إلى أن معظم أسلافه أصدقاء للدكتور إبراهيم عوض، وتسعى السفارة الإسبانية للحصول على مشورته ونصائحه في معظم القضايا المتعلقة بالعلاقات المصرية الإسبانية.

وعقب تقليده الوسام، تحدث الدكتور إبراهيم عوض وشكر السفير رامون كاساريس على ترشيحه لهذا الوسام، وطلب منه أن ينقل “عميق امتنانه إلى صاحب الجلالة الملك فيليبه السادس، على الشرف الذي أسبغه عليّ بتفضله بمنحي وسام (إيسابل لا كاتوليكا) بمرتبة الضابط. إن تأثري بالغٌ بهذا الإنعام. بخلاف بلدي، لا يمكن لوسام من أي بلد أن يجعلني أكثر سعادةً”.

وشرح عوض أسبابه الخاصة والشخصية والموضوعية، لهذا الشعور بالزهو والفخر، قائلا: “لقد وصلت إلى إسبانيا صبيا، والتحقت بالمدرسة فيها منذ أكثر من 60 عاما. كانت هذه بداية القصة التي نعيش مساء اليوم حلقةً من حلقاتها في الحفل الذي يجمعنا، وكفتى وشاب عشت كذلك في إسبانيا، وكشاب، أكبر سناً بعض الشيء، كان تعييني الثاني في الخارج كممثل لجامعة الدول العربية. وكان من حظي أنني خدمت ولفترة أقل من العام بعض الشيء، وفي سن صغيرة للغاية، كمدير بالإنابة لمكتب جامعة الدول العربية في مدريد. خلال هذه الفترة، عقدت صداقات مازالت باقية إلى اليوم. والأهم من ذلك، أنه كان من حظي أيضاً أن أعيش فترة حيوية من التاريخ الممتد والعريق لإسبانيا، ألا وهي فترة التحول الديمقراطي”.

وتابع عوض: “وبعد أن غادرت إسبانيا، وتركت كذلك جامعة الدول العربية، وحيث عشت وعملت، استمررت في رعاية علاقتي بإسبانيا والإسبان. فعلت ذلك خلال عملي في منظومة الأمم المتحدة، في مختلف الوظائف التي توليتها فيها، وكباحث وأكاديمي ومحلل سياسي”.

وأكمل عوض: “وفي كل مرة كنت أرجع إلى إسبانيا، في أي مكان فيها، وربما على الأخص في مدريد، كان الناس يتحدثون إليّ وكأنني لم أغادر قط، وكأنما كنت مازلت أعيش في إسبانيا. سأحكي لكم عن قصة حدثت لي في الشهر الماضي. في اليوم التالي لتسلمي الرسالة التي أبلغني بها صديقي السفير رامون أن جلالة الملك قد أنعم عليّ بالوسام، سافرت إلى إسبانيا للاشتراك في مؤتمر انعقد في البنك المركزي الإسباني. دعا البنك المشاركين على العشاء عشية المؤتمر، وفي اليوم التالي في استراحة الغداء، وعلى سبيل التأكيد، قالت لي مشاركة مغربية: (أنت تعيش في إسبانيا، أليس كذلك؟). فلما أجبتها بالنفي وبأني أعيش في القاهرة، قالت: (ولكنك بالأمس بدوت وكأنك في بيتك). سكتت لأعشار من الثانية، ثم رددت (بالفعل، أنا هنا أيضأ في بيتي)”.

وأضاف الدكتور عوض في كلمته: “كذلك فتحت إسبانيا لي أبواب قارة رائعة هي أمريكا اللاتينية. أنا ممتن لإسبانيا وللغة الإسبانية على أنهما منحاني هذه الفرصة. وأشرف بمنحي الوسام لنشاطي في توثيق العلاقات بين إسبانيا ومصر. وأعتقد أنني فعلت ذلك بشكل طبيعي، من أسفل، وليس بأي صفة رسمية. أنا لم أمثل مصر، الدولة، رسميا قط. ومع ذلك فلقد أحسست دائما بأنني ممثل لمصر، البلد، وللمصريين. وبالإضافة إلى إسبانيا ومصر، فإنني حاولت بشكل طبيعي، لست متأكداً إن كان تلقائياً أو متعمداً، أن أوثق العلاقات بين إسبانيا والعالم العربي”.

وقال عوض: “أجريت أبحاثاً، وكتبت، وتحدثت، وشاركت في نقاشات ونشرت في إسبانيا وفي مصر، متوجهاً للجمهور الإسباني والمصري، وكذلك العربي، عن الموضوعات التي تشغل هؤلاء وأولئك. الصراع العربي الإسرائيلي، والتطورات السياسية في مصر والعالم العربي، للجمهور الإسباني من جانب، والتطورات في إسبانيا، للجمهور المصري والعربي الأوسع من جانب آخر. هذا يرجع بي إلى تلك الفترة في التاريخ الإسباني المعاصر التي كان من حظي أن أشهدها وأعيشها، ألا وهي فترة التحول الديمقراطي في نهاية السبعينيات من القرن العشرين، وإلى التقدم الهائل والمذهل الذي تحقق في إسبانيا منذ ذلك الحين”.

واستطرد إبراهيم عوض قائلا: “لقد اتسم القرنان الـ19 والـ20 في إسبانيا بالاضطراب وعدم الاستقرار والعنف. بعد اعتماد دستور ليبرالي رائع في 1812، انقضت أغلب فترات القرن الـ19 فيما بين حكم مطلق وحروب وراثة العرش الإسباني، مع فترات حكم ليبرالي تخللتها. أما القرن الـ20، فلقد شهد فترتين من الحكم الديكتاتوري، امتدت الثانية منهما فيما بين 1939 و1975. وفيما بين فترتي الديكتاتورية، عاشت إسبانيا أسوأ مأساة لحرب أهلية في القرن الـ20، امتدت فيما بين 1936 و1939، وكانت (البروفة) للحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها مليون من القتلى الإسبان. وعلى الرغم من هذه السوابق غير المواتية، فلقد قدمت إسبانيا البرهان على أن المجتمعات الإنسانية يمكن أن تتغلب على العقبات التي تعترضها وأن تشيّد حيوات أفضل لأعضائها بانتهاج طرائق الحكم الحديثة والتقدمية. هذه الطرائق هي تلك التي تتسم بها الديمقراطية. مرةً أخرى، لقد كنت محظوظاً بأن أكون شاهداً على التحول الديمقراطي في إسبانيا وبأن أعرف، وأحياناً بشكل جيد جداً، بعض اللاعبين الأساسيين فيه”.

وفي تقدير الدكتور عوض، فإن الديمقراطية سمحت لإسبانيا بتحقيق تقدم ربما لم يتصوره أحد من قبل. فأي مسافر عرف إسبانيا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي يندهش إذ يشاهد البنية الأساسية الموجودة اليوم والتحسن في مستوى ونوعية المعيشة في كل مناطق إسبانيا. والتحسن ليس مادياً أو اقتصادياً فقط، وإنما هو كذلك اجتماعي. نشأ نظام رفيع للحماية الاجتماعية. وإسبانيا، البلد المعروفة تاريخياً بثقافتها الذكورية، حققت تقدما هائلا في المساواة بين الجنسين. أنظر مثلا إلى تشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة حيث نصف أعضائها و3 من نواب رئيسها الأربعة من النساء. كذلك صارت إسبانيا ذات المستوى الأدنى في العنف الممارس ضد المرأة بين كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وأضاف عوض: “لقد ترسخت الديمقراطية. عاشت إسبانيا عقداً صعباً في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي تفجرت في سنة 2008، حيث ارتفعت معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، وانخفضت معدلات النمو الاقتصادي. ومع ذلك لم تتراءى لإسبانيا فكرة الرجوع عن الديمقراطية. بالديمقراطية استطاعت أن تعالج أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. وهي بالوسائل الديمقراطية تواجه التحديات الحالية الخطيرة لمؤسساتها ولسلامة أراضيها. باختصار، أتت إسبانيا بالبرهان على قدرة الديمقراطية على التوزيع السلمي للقيم وعلى التصدي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية”.

وعن علاقات إسبانيا ومصر، قال عوض: “لقد ارتبط البلدان دائما بأفضل العلاقات، وأنا أثق في أنهما سيستمران على ذلك، بل وآمل في أنهما سيزيدان هذه العلاقات تحسناً من أجل مصلحة كل الإسبان وكل المصريين. في قرون ماضية أعطى الإسبان والعرب مثالاً على الطاقة الخلاقة للجنس البشري وعلى براعة جهوده عندما تلتقي الحضارات والثقافات. نحن نعيش عصراً مختلفاً ولكن فلنستلهم هذا المثال لكي نبني مستقيلاً أفضل يتمتع فيه الجميع بالسلم والتقدم”. كما وجه الشكر للحضور.

وكان حفل تقليد دكتور إبراهيم عوض بالوسام الإسباني الرفيع قد شهد حضورا مميزا من الدبلوماسيين الأجانب والعرب والمصريين وبعض الشخصيات العامة في مقدمتهم نبيل فهمي وزير الخارجية السابق، ونجلاء الأهواني وزيرة التعاون الدولي السابقة، والدكتور ماجد عثمان وزير الاتصالات الأسبق، والدكتور أحمد جلال وزير المالية السابق، والمهندس إبراهيم المعلم الناشر الكبير ورئيس مجلس إدارة الشروق، وإسماعيل الشافعي وعثمان لطفي رئيس هيئة الاتصالات السابق، والدكتورة ميرفت التلاوي رئيس المجلس القومي للمرأة، والسفراء محمد توفيق ومحمد أنيس سالم وإيهاب وهبة وحامد فهمي.

يشار إلى أن الدكتور إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، سبق وتقلد عددا من المناصب في منظمات إقليمية والأمم المتحدة في الأرجنتين وإسبانيا وسويسرا ولبنان ومصر. وله العديد من الأبحاث العلمية والدراسات المنشورة باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية. وقد شملت أبحاثه مجالات (الاقتصاد السياسي، والتوظيف، وهجرة العمالة الدولية، وحقوق الإنسان، وحقوق العمال، والعلاقات الدولية، والتنظيم الدولي والتكامل الإقليمي).

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى