روسيا تعطي «قُبلة الحياة» للسياحة
لم يمر سوى أربعة أيام فقط على تفجيرات مطار “أتاتورك” التركي، التي أودت بحياة نحو 50 شخصًا، حتى لاحت في الأفق إزدواجية تعامل روسيا مع الحادث وبدأت الكيل بمكيالين، في تعاملها بين تركيا ومصر، لاسيما أن الأخيرة مرت بأزمة مُشابه إلى حد ما، ألا أن رد الفعل الروسي لم يكن مُشابهًا في المرتين على الاطلاق.
وبالأمس.. أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رفع العقوبات السياحية عن تركيا، مؤكدًا أن أول رحلة سياحية من سيبيريا إلى تركيا ستنطلق يوم 17 يوليو الجاري، وذلك بعد بدأ تطبيع العلاقات بين موسكو وأنقرة، في ظل عمليات إرهابية ضارية شهدتها اسطنبول خلال عام 2016.
وفي المقابل، لازالت روسيا تحظر طيرانها وتعاملها السياحي مع مصر، منذ شهر أكتوبر الماضي وحتى الآن، بعد حادث الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء، وأدت إلى وفاة ركابها وطاقم الطيران بالكامل، حيث أعلنت روسيا وقتها تخوفها من العمليات الإرهابية في مصر، وأنها ستعلق رحلاتها إلى القاهرة لأجل غير مسمى.
وفور عودة التعامل السياحي بين روسيا وتركيا، سلط الإعلام الروسي الضوء على هذه الازدواجية، حيث أكدت وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك”، أن المشهد داخل المجتمع المصري عكس حالة من الجدل والتساؤلات وربما الخوف على مستقبل العلاقات مع روسيا؛ بسبب استمرار حظر الطيران، في الوقت الذي تبذل فيه جهود حثيثة لعودة الوفود السياحية إلى السوق التركي.
وأوضحت الوكالة، أن الحادث الإرهابي الذي استهدف مطار “أتاتورك”، زاد من حيرة المصريين متسائلين، لماذا لم ترفع روسيا الحظر عن الطيران المصري، وتمنح قطاع السياحة قُبلة الحياة؟.
ونوهت “سبوتنيك” بأن استمرار الحظر يضع العلاقات بين البلدين أمام تحد صعب في مواجهة الرأي العام المصرى الذي يتوق لعودة السياحة الروسية، موضحة أن شريحة كبيرة من الرأي العام المصري ترى أنه لم يعد هناك ما يبرر استمرار الحظر.
وحدد خبراء الشأن السياسي ثلاث أسباب وراء ازدواجية التعامل الروسي بين مصر وتركيا، مؤكدين أن المصالح تحكم مجرى العلاقات الروسية التركية، ومصر لازالت تتعامل بما يمسى دبلوماسية المشاعر وليست المصالح.
محمد حسن أبو النور، الباحث في العلاقات الدولية، أرجع تعامل روسيا المزدوج بين مصر وتركيا، إلى عدة أسباب، أهمها أن العلاقات الروسية التركية أكثر تعقيدًا من مجرد علاقات تحكمها المصالح الاقتصادية، لأن أنقرة بالنسبة للروس تمثل واحدة من أهم البلدان على الإطلاق.
وأشار إلى أن تركيا هي ركيزة حقيقة لروسيا؛ لأن من خلال أراضيها تمر القطع الحربية الروسية إلى منطقة شرقي المتوسط مستخدمة مضيقي “الدردنيل والبسفور”، وتمثل هذه الأراضي شريان حيوي لخطوط الغاز في المنطقة، وبالتالي فضلت روسيا عدم تصعيد الأزمة مع تركيا، في ظل حاجة موسكو إلى خطوط طاقة بديلة.
وأضاف، فضلًا عن أن روسيا تعاني من عقوبات اقتصادية خانقة، الأمر الذي دفععها للسعي نحو تخفيف الضغط الخارجي، وحصر العداءات الروسية في المحيط الإقليمي، من خلال تهدئة التوتر مع تركيا، لافتًا إلى أن التعامل التركي الحكيم مع دولة بحجم روسيا ساعد على تهدئة الأوضاع بينهم.
وتابع، أما مع مصر فقد علمت روسيا جيدًا أن القاهرة تعمق علاقتها معها ليس لأنها وجهة سياسية صحيحة، ولكن من باب المكايدة مع واشنطن؛ لذلك كانت روسيا شديدة المرونة مع تركيا وشديدة الصلابة مع مصر.
ورأى طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ازدواجية روسيا في التعامل مع مصر وتركيا، نابع من أن المصالح هي من تحكم التعاملات الروسية وليس المشاعر، مشيرًا إلى أنه قبل حادث مطار أتاتورك، كانت هناك رسائل مباشرة من قبل تركيا إلى روسيا والعكس، حول عودة العلاقات بينهم، والتي عززها التنازلات التي قدمتها تركيا في إتفاقها مع تل أبيب، ومن المتوقع تقديمها إلى موسكو.
وأوضح، أن روسيا حريصة على تركيا أكثر من مصر، في عدة قضايا أولها الملف السوري، كذلك التعاملات الاقتصادية بينهم في ملفات الطاقة والغاز، مشيرًا إلى أن روسيا تتكلم بلغة واقعية ومفاوضات على أرض الواقع، كذلك فإن تركيا لديها خبرة كبيرة في التعامل مع الشأن الروسي لا تمتلكها مصر.
الدستور